أزمة المشتقات النفطية تضع مصير "محروقات" على المحك
تُمارس المزيد من الضغوط على مستهلكي المشتقات النفطية، بكافة شرائحهم وقطاعاتهم، من خلال رفع أسعارها المتتالي، بالتوازي مع المزيد من تخفيض الدعم عليها، والمزيد من التعدي على الحقوق من خلال زيادة مستويات الاستغلال عبر شبكات السوق السوداء، التي استولت على جزء هام من سوق توزيع وبيع هذه المشتقات.
وبظل أنماط تقاذف المسؤوليات والتهرب منها على مستوى أزمة المشتقات النفطية، وخاصة على مستوى التوزيع والبيع، فإن آخر ما حرر بهذا الشأن هو طرح مصير شركة محروقات على نطاق البحث بشكل رسمي!
تخفيض جديد على "الدعم"
تخفيض الدعم لم يقف عند قرارات رفع أسعار المازوت والبنزين التي صدرت خلال الفترة القريبة الماضية، والتي تضمنت تخفيض الدعم على جزء من هذه المشتقات عملياً مع الانعكاسات السلبية الكبيرة لذلك، ليس على مستوى الصناعة والنقل والمواصلات فقط، بل والأهم على مستوى رفع أسعار كافة السلع والخدمات ارتباطاً بمبرر رفع السعر الرسمي لهذه المشتقات.
ولم يقف كذلك عند حدود تجاوز المدة المحددة لاستلام اسطوانة الغاز المنزلية، بحيث تجاوزت الشهرين، أي تخفيض الدعم بشكل غير مباشر، أو ابتلاع جزء من الحصة المقررة من مازوت التدفئة عن العام الماضي، بل لتصل أخيراً إلى تخفيض مخصصات التدفئة المقررة لهذا العام، أي سحب جزء إضافي من الدعم من الناحية العملية، ولا أحد يعلم إلى أين يمكن أن نصل بظل استمرار هذا النمط من القرارات والتوجهات؟
فقد "أعلن مدير محروقات حلب أنه اعتباراً من اليوم تم تخفيض المازوت المنزلي المخصص للعائلات في حلب من ٢٠٠ الى ١٠٠ ليتر، مضيفاً أن القرار مركزي من دمشق، ويعتقد أنه يشمل كل محافظات القطر"، وذلك بحسب ما نقل عنه عبر "إذاعة ميلودي" بتاريخ 1/12/2020.
الإعلان أعلاه يعني من الناحية العملية تخفيضاً جديداً على الدعم المخصص لمازوت التدفئة للأسر بمقدار النصف، دون الاعتراف المباشر بذلك، كما يعني بالنتيجة الاضطرار للجوء للسوق السوداء من أجل تأمين الكميات التي تحتاجها الأسر من هذه المادة للتدفئة، أي مزيد من الاستغلال، فقد وصل سعر ليتر المازوت في هذه السوق إلى ٩٠٠ ليرة، وأحياناً أكثر من ذلك بكثير، بحسب المكان ودرجة الاضطرار.
"محروقات" في قفص الاتهام
جزء من أزمة المشتقات النفطية مرتبط بالمتوفر المحلي منها، وهو بعهدة وزارة النفط وشركاتها، وبالتوريدات التي أصبحت بأيدي بعض المستوردين الكبار الذين أصبحوا أكثر تحكماً بها، كماً وسعراً ومواعيد توريد، والجزء الآخر مرتبط بشبكة البيع والتوزيع المسؤولة عنها شركة محروقات، كجهة حصرية افتراضاً، بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القطاع الخاص له حصة من مبيعات السوق لهذه المشتقات عبر محطات الوقود أو عبر موزعي الغاز والمازوت، بإشراف محروقات.
وبعيداً عن أشكال "الذكاء" التي تم فرضها على آليات التوزيع والبيع لهذه المشتقات، وغيرها من الآليات المتبعة بغاية ضبط ومراقبة "حسن التوزيع" وإيصال "الدعم" لمستحقيه، والتي لم تحقق النتيجة المطلوبة، تبدو مشكلة المشتقات النفطية المعدة للاستهلاك متجذرة في شبكات التوزيع والبيع، أكثر منها في الكميات المتوفرة لهذه الغاية.
فنقص الكميات في السوق النظامي، سواء بسبب تأخر التوريدات، أو بسبب تخفيض الدعم المتمثل بتخفيض المخصصات تباعاً، يتم تعويضها عبر السوق السوداء.
فالكميات المتاحة في السوق النظامي أو عبر السوق السوداء تفي تغطية الحاجات الاضطرارية نسبياً، لكن يبق الفارق بعوامل الاستغلال التي تحدد بالنتيجة الفارق السعري بين النظامي والأسود حسب درجة الحاجة وغايتها.
فواقع الحال يقول إن شبكات السوق السوداء كسرت حصرية دور محروقات في السوق، توزيعاً وبيعاً، وتجاوزتها منذ زمن، مما فسح المجال للتساؤل عن مصدر المشتقات النفطية التي تستحوذ عليها هذه السوق بظل الحصرية التي تتمتع بها محروقات قانوناً؟
فهي إما عبرها، فسادا واستغلالاً، بالتعاون مع شبكات السوق السوداء، أو تهريباً بالتعاون مع شبكات التهريب؟
بوادر حلحلة غير مكتملة
الجزء الأول من المشكلة المتمثل بالكميات المستوردة من المشتقات النفطية يبدو أنها في طور الانتهاء، وذلك بحسب ما صرح به وزير النفط مؤخراً، حيث نقل عنه: "أن سورية خلال بضعة أشهر لن تكون بحاجة لاستيراد أي مشتقات نفطية، باستثناء كميات بسيطة من الغاز المنزلي، وذلك بحال تم إنجاز التوجهات الحالية وتعاونت بقية الجهات كل حسب دوره"، وذلك بحسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام بتاريخ 1/12/2020.
التصريح المتفائل أعلاه، وبغض النظر عن تضرر مصالح المستوردين الكبار لهذه المشتقات، الذين راكموا الثروات خلال السنين الماضية بسبب الأزمة وبعمقها، يمكن اعتباره مؤشر على بدء استعادة وزارة النفط لدورها المناط على هذا الجانب، وبحال استكمال إنجازه سيصب بمصلحة الاقتصاد الوطني عموماً، وستستفيد منه شرائح المستهلكين بمختلف قطاعاتهم خصوصاً.
لكن وبدلاً من مساعي تعزيز دور الوزارة على جانب التوزيع والبيع، المسؤولة عنه "محروقات"، واستعادته كاملاً بعد أن استحوذت شبكات السوق السوداء على جزء هام منه خلال الفترة الماضية، كشكل من أشكال الخصخصة الاستغلالية المبطنة، جرى التمهيد للتخلص من هذه الشركة.
فقد نقل عن وزير النفط أيضاً: "أن دور الوزارة ليس توزيع المشتقات النفطية بل اكتشاف وإنتاج النفط وتشغيل المصافي، ووزارته لا تبيع أو تشتري النفط والمشتقات بل تنتج وتكرر، متسائلاً عن سبب بقاء "شركة محروقات" تابعة إلى الوزارة وهي قطاع تمويني تهتم بالتوزيع، وتخضع لقانون التموين وعلاقتها مع البطاقة الذكية، كما أن التوزيع يتم عبر لجان المحروقات في المحافظات وهو نشاط للإدارة المحلية".
فهل ستكون النتيجة، بعد حل مشكلة توفير المشتقات النفطية بحسب التصريح أعلاه، هي التفريط بسلسلة التوزيع والبيع، والتخلي عنها بهذه السهولة، ولمصلحة من قد يتم ذلك؟
ننتظر لنرى!