هل استفادت الأنظمة من «درس أرمينيا»؟

هل استفادت الأنظمة من «درس أرمينيا»؟

إلى جانب النتائج العملية المباشرة لاتفاقية وقف إطلاق النار التي تم توقيعها بين أرمينيا وأذربيجان في العاشر من الشهر الجاري برعاية روسية، تبرز إلى الواجهة نتيجة أخرى مبطنة مرتبطة بما هو أوسع من حدود منطقة القوقاز، وهي أن أتباع الولايات المتحدة في العالم كله يعيشون أزمة عميقة ويصرون على إثبات ذلك كل يوم.

يُقال هذا الكلام وفي الخلفية أن الاتفاقية التي تم الإعلان عنها لم تُعتبر هزيمة لطرف أو انتصار لطرف آخر، بل بدايات حل سلمي لقضية عالقة ومتجددة الاشتعال منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو بهذا المعنى هزيمة تحديداً للنزعات العدائية التي غذّاها الغرب لدى كل من أرمينيا وأذربيجان. لكن رغم ذلك، فإن نظرة واسعة على ما فرضه اتفاق وقف إطلاق النار تؤكد أن الطرف الأرميني خرج بهزيمة سياسة كبيرة، إلى جانب الخسائر الأخرى التي تتمثل في الحد الأدنى باضطراره لإعادة ما كان قد سيطر عليه سابقاً من أراضي.

في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن وصول الرئيس الأرميني، نيكول باشنيان، إلى السلطة في عام 2018 كان نتاجاً لـ«ثورةٍ ملوّنة» أطاحت بالرئيس السابق، سيرج سركسيان. وفي ذلك الوقت، بدا واضحاً وقوف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية و«الجمعيات غير الحكومية NGOs» المموّلة من مؤسسات الملياردير الهنغاري الأمريكي جورج سورس، خلف هذا «الانقلاب الناعم».

ومنذ وصوله إلى السلطة، تدهورت عملياً العلاقات الثنائية بين أرمينيا وروسيا التي راقبت عن كثب كيف تضخم دور سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بريفان، بما في ذلك أعداد الموظفين الأمنيين. وفي المعارك الأخيرة التي خاضتها أرمينيا، كُتبَ الكثير عن انتظار باشنيان دخول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشكلٍ مباشر على خط الصراع، وهو ما لم يحصل بطبيعة الأحوال نتيجة لتبدّل موازين القوى الدولية وما تركه هذا التبدل من تعقد في حسابات دول الغرب. وهو ما تبدّى مؤخراً باتخاذ روسيا قراراً حاسماً بسحب الملف بعيداً عن تأثيرات مجموعة «مينسك» ودفعه في اتجاه الحل الفعلي.

على هذا الأساس، تعيش أرمينيا اليوم وضعاً مربكاً إلى حدٍ ما حيث تتزايد الاحتجاجات ضد باشنيان (وضد مكاتب مؤسسات جورج سورس في آن) بوصفه مسؤولاً عن الخسائر الأخيرة وعن تحويل البلاد إلى مطية للغرب، وترتفع في الوقت ذاته المؤشرات على وجود محاولات غربية مجدداً لتفجير الوضع الداخلي في أرمينيا، بالاستفادة من حالة الاحتقان الموجودة لدى قطاعات واسعة من الناس، بما يزيد أيضاً من تعقيد الوضع على روسيا التي دخلت على خط التسوية.

إلى هنا، تبقى ضرورة الإشارة إلى أن «درس أرمينيا» ينبغي له أن يكون مفهوماً لكل الأنظمة التي لا يزال هواها غربياً، تلك الأنظمة التي تواصل بعض نخبها بناء الأوهام حول قدرة أو رغبة الغرب في انتشالها من الأزمات والضغوط الداخلية التي تمر بها. فالغرب الذي كان مستعداً في السابق للاستماتة في سبيل الحفاظ على أزلامه في العالم، لم يعد أمامه اليوم سوى أن يسترخص ويزج بهؤلاء في الصفوف الأمامية للمناورات السريعة المؤقتة التي يحتاجها لإشغال خصومه الدوليين آنياً.