حول «فصل جديد يبدأ» في الملف الفلسطيني

حول «فصل جديد يبدأ» في الملف الفلسطيني

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مستميت، نحو وأد ملف القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً، كمحاولة بائسة لتثبيت موقع ومكانة قاعدتها الصهيونية في المنطقة بعد خروجها ورحيل قواتها منها، بشكلٍ بات يبدو -من شدّة الضغط الفاشل فيه- هيستيريّ أحياناً.

فبعد كل النفخ السابق، لسنين، ببالون «صفقة القرن»، ظهر جلياً أن الأمريكي يلفظ آخر أنفاسه اتجاه المسألة، لينقطع ويجري تنفيس البالون كله بشكلٍ متسارعٍ مصحوباً بصفير الفشل.

مع هذه النتيجة المضحكة لكل الضخّ البالوني في «الصفقة»، عدّلت واشنطن نشاطها نحو تغطية الأمر بقنابل دخان «التطبيع العربي-الإسرائيلي» في الفترة السابقة، وكل الفرق أن ما كان قائماً أساساً، منذ سنين، سرياً، وغير جديد، بات علنياً، ومسوقاً بـ«انتصارات سياسية» لا تختلف بتاتاً بوزنها وأثرها عن بالون «صفقة القرن» نفسه، لتنوص وحدها على الرغم من كل محاولات الإنعاش الإعلامي المستمرة حتى الآن، مستعينة بأصغر وأتفه المجريات لتضخمها على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي: طيّار إماراتي يحيّي المراقب «الإسرائيلي» فوق مجالهم الجوي!

 

محاولة «شطب» الملف الفلسطيني دولياً؟

بالتوازي مع حملة «التطبيع» هذه، بدأت واشنطن بخطوة جديدة في اجتماعات مجلس الأمن الشهرية حول ملف «الصراع العربي-الإسرائيلي»، داعيةً بها إلى إيقافها، حيث سألت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، في 21 تموز خلال اجتماع لمجلس الأمن: «هل يجب أن يستمر المجلس في الاجتماع شهرا تلو الآخر ليقول الأشياء نفسها...؟» وقد جاء ذلك في سياق حديثها الورديّ عن مستقبلٍ أفضل للفلسطينيين و«الإسرائيليين» عبر مفاوضات مباشرة، بمحاولة لإفشال هذه الاجتماعات وتسيير الملف ضمن الرسمة الأمريكية-الصهيونية وحدها عبر مسار «صفقة القرن» الميت نفسه أساساً.

وفي 26 تشرين الأول، بعد خطوة التطبيع السودانية، اعتبرت كرافت ضمن اجتماعٍ آخر لمجلس الأمن، بأن «المعادلة في المنطقة تتغير، وهناك فصل جديد يبدأ» داعيةً بالتالي، وبشكل مباشرٍ وصريح، إلى توقف هذه الاجتماعات: «حان الوقت لوقف هذه الممارسة غير المجدية» مكررة ما ذكرته سابقاً: «هذا المجلس يكرر في كل شهر، أساليب دامت عقودا من الزمن تجاه هذا الصراع».

وفي المختصر: فإن هذا النشاط الأمريكي في مجلس الأمن يهدف ويدعو إلى أمرٍ واحدٍ هو محاولة «شطب» ملف القضية الفلسطينية من جدول أعمال مجلس الأمن، وكأن الملف نفسه، على الأرض، وفقاً للبروباغندا الأمريكية حوله، تجري تسويته وانتهى.

 

صحيح سيدة كرافت

لكنه صحيح، كل ما تفوهت به السيدة كرافت مما ذُكر هنا صحيح جداً، باختلاف زاوية الرؤية ومحاولة تشويشها رغم الحقائق والنتائج الموضوعية، فـ«المعادلة في المنطقة تتغير، وهناك فصل جديد يبدأ»:

  • موازين القوى الدولية السابقة، بقيادة الشرطي الأمريكي، التي دأبت بحدها الأقصى بالمحافظة على «قول الأشياء نفسها» بتجميد حقوق الفلسطينيين، عبر «أساليب دامت عقودا من الزمن» تمضي نحو نهايةٍ من غير رجعة.
  • انسحبت وتنسحب الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً من أفغانستان والعراق وسورية، مع ما يصاحبه ذلك من تراجعٍ في وزنها السياسي ككل في المنطقة، ومنه ما يتعلق بملف القضية الفلسطينية مما سيؤدي نحو انفتاح الأفق نحو حلها وفقاً لمصالح صاحب الحق والأرض الفلسطيني وحده.
  • الولايات المتحدة الأمريكية تعاني أزمة اقتصادية منذ سنين، تتخفى الآن -مؤقتاً- خلف عباءة الوباء الفيروسي، منتجة حالة الانقسام في النخبة الأمريكية الحاكمة وأزمة سياسية مستعصية لا اتجاه لها سوى التفاقم والمزيد من التأزم والتراجع.
  • كصدى للأزمة الرأسمالية والأمريكية، يُعاني الكيان الصهيوني من الأمر نفسه: أزمة اقتصادية وأزمة سياسية تمظهرت في الفترة السابقة بأزمة الحكم، لتغيب مؤقتاً، نحو انفجارات أكبر مستقبلاً على المدى المنظور.
  • في مقابل التراجع الأمريكي، تتصاعد قوى دولية جديدة تدفع فيما تدفع إليه نحو حق الشعوب بتقرير مصيرها، وحل الأزمات والملفات العالقة بما فيه الملف الفلسطيني، وفي مقابل أزمة الكيان الصهيوني، يسير الفلسطينيون بخطى عملية نحو إعادة تقييم ودراسة مواقفهم وتوحيد صفوفهم مدفوعين بالظروف الجديدة وبالحركة الشعبية الفلسطينية نفسها، وأكثر من ذلك: ففي مقابل تعاون وتمترس الأمريكي والصهيوني المنهزمين خلف بوالين الهواء، يجري التعاون بين القوى الفلسطينية والقوى الدولية الصاعدة على صياغة وبناء حجر أساس متين وموحّد للفلسطينيين.

فبكل تأكيد، فصلٌ جديدٌ يبدأ، عنوانه: شطب الأمريكي والصهيوني من المنطقة.

آخر تعديل على السبت, 07 تشرين2/نوفمبر 2020 18:10