التوحش الليبرالي سيبتلع الدعم والبلد
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

التوحش الليبرالي سيبتلع الدعم والبلد

المسحوقين لم تعد تفاجئهم تصريحات وقرارات الحكومة بخصوص إجراءات تخفيض الدعم المتتالية، ولم يعد السؤال بالنسبة إليهم هو: هل سيتم ذلك أم لا؟ بل، كيف ومتى؟

فسلسلة تخفيض الدعم لم تنته بعد، وستستكمل حلقاتها على مازوت التدفئة والغاز المنزلي دون أدنى شك، وهو ما تم الحديث عنه رسمياً، وربما الكهرباء والماء أيضاً، برغم نفي ذلك حتى الآن، وقد يلحق رغيف الخبز تخفيض إضافي على دعمه مجدداً، ولا أحد يعلم ما في جعبة الحكومة من قرارات بهذا الشأن، فالتوجهات الرسمية معلنة وواضحة وتسير على قدم وساق.
أما القديم المستجد بهذا الشأن فهو إعادة الحديث عن الدعم النقدي بدلاً عن العيني، وهذه المرة من قبل بعض أعضاء مجلس الشعب.

من الناحية العملية فإن المقدمات تستكمل حلقاتها على مستوى تخفيض الدعم على مازوت التدفئة والغاز المنزلي، وقد تجاوزت مرحلة التمهيد ووصلت لمرحلة التصريح، ولم يبق إلا القرار الذي يوضح حجم التخفيض القادم وموعد تنفيذه، وهذا طبعاً لن يكون له تأثير على أزمة هذه المواد، فشبكات النهب والفساد والسوق السوداء ستستمر بعملها بعمق هذه الأزمة، على حساب ومن جيوب المواطنين، تماماً كحال الشبكة العاملة في عمق أزمة رغيف الخبز حتى الآن.

وقد تسارعت ممهدات تخفيض الدعم على الكهرباء، فالأزمة مستمرة وتتفاقم، ولا بشائر خير بشأنها، وهو ما تم التأكيد عليه رسمياً، فقد بدأنا نلمس بوادر كارثية جديدة تتمثل بالانقطاع التام للتيار الكهربائي، ولا ندري هل يمكن اعتبار ذلك ضمن المقدمات تبريراً لتخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية، أم نتيجة لسوء التعامل الرسمي مع ملف الطاقة عموماً، وطغيان عوامل النهب والفساد الكبير فيه! وربما لا داعيَ للحديث عن أهمية الطاقة الكهربائية، وملف الطاقة عموماً، على مجمل الاقتصاد الوطني.

على الطرف المقابل فإن إعادة طرح موضوع رفع الدعم، وربطه كإيرادات بزيادة الأجور، على مبدأ "من دهنو سقيلو"، أو الحديث عن الدعم النقدي بدلاً من العيني، ربما بات من المستهلكات المجربة والمختبرة سابقاً بنتائجها السلبية، وخاصة على الغالبية المفقرة، ليس بسبب آليات السوق النهبوية التي تحصد وتبتلع الأخضر واليابس فقط، بل بسبب استمرار تراجع القيمة الشرائية لليرة، والسبب المباشر بذلك هو الاستمرار بالسياسات الليبرالية المضرة بالإنتاج الحقيقي الداعم الرئيسي لقيمة الليرة، سعياً لتدميره وسحقه، وهو ما جرى ويجري حتى الآن.
ولا غرابة في استمرار غض الطرف عن المطارح الكثيرة التي يمكن أن ترفد الخزينة بإيرادات كبيرة، بعيداً عن جيوب المفقرين، مثل مطارح النهب والفساد الكبير، أو الاستثناءات والإعفاءات الكثيرة والكبيرة المبوبة بموجب الكثير من القوانين التي صدرت خلال العقود الماضية، لمصلحة أصحاب الأرباح على حساب مصلحة المواطنين والبلد عموماً.

فالحكومة التي تثقل أسماعنا دائماً بالحديث عن مبالغ الدعم الكبيرة سنوياً، وتقدم أحياناً بعض التبريرات والذرائع لإجراءاتها أو قراراتها المتعلقة بتخفيض الدعم، مع ما تحققه من وفر جراء ذلك، وكأنه إنجاز يجب أن تشكر عليه، لم تتحفنا ولا مرة بدراسة، ولو مقتضبة، عن الانعكاسات والنتائج السلبية والكارثية لتوجهاتها وقراراتها، بل ولمجمل سياساتها، ليس على مستوى معيشة المفقرين والمسحوقين فقط، بل على المستوى الاقتصادي الاجتماعي والوطني العام.
فالقاصي والداني يعلم ويلمس النتائج الكارثية للتوجه الحكومي بهذا المجال، وعلى كافة المستويات، والتي تتضافر مع نتائج مجمل السياسات الليبرالية الاقتصادية التي لم تعد تخفي توحشها، بل كشرت عن أنيابها، معلنة أنها لن تُبقِيَ ولن تذِر، وضحاياها لم تعد تقتصر على المفقرين والمسحوقين، ولا على الإنتاج والمنتجين، بل على كل البلد بقضه وقضيضه.