كيف يعمل النظام الانتخابي الأمريكي؟ (شرح مبسط)
عماد طحان عماد طحان

كيف يعمل النظام الانتخابي الأمريكي؟ (شرح مبسط)

في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، يبدو أنه لا يزال هناك دائماً قسم كبير من الناس، بمن فيهم الكثير من الأمريكيين، لا يعرفون تماماً كيف يعمل النظام الانتخابي الأمريكي. سنحاول هنا تقديم شرح مبسط، على الأقل فيما يتعلق بكيفية انتخاب رئيس للولايات المتحدة.

في الولايات المتحدة، المجمع الانتخابي (EC) هو المسؤول عن انتخاب الرئيس. عدد الأعضاء الذين يمثلون كل ولاية في هذا المجمع هو عدد أعضاء الولاية في مجلس الشيوخ، وهو 2 لكل ولاية لجميع الولايات، إضافة لعدد ممثلي الولاية في مجلس النواب، والذي يختلف اعتماداً على تعداد سكان الولاية، بالإضافة إلى 3 ناخبين لواشنطن العاصمة.

منذ عام 1964، كان عدد أعضاء المجمع الانتخابي هو 538، وبالتالي، بالنسبة لمرشح للفوز بالرئاسة، يجب أن يحصل على ما لا يقل عن 270 صوتاً من هذه الأصوات.

الطريقة التي يتم بها احتساب هذه الأصوات هي أنه في كل ولاية، يدلي الناخبون المسجلون بأصواتهم، ويحصل المرشح الذي يحصل على غالبية الأصوات الشعبية للولاية على جميع الأصوات الانتخابية لتلك الولاية. على سبيل المثال، تمتلك كاليفورنيا 55 صوتاً انتخابياً، وبالتالي فإن المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات الشعبية في كاليفورنيا يحصل على جميع الأصوات الانتخابية البالغ عددها 55. الاستثناء الوحيد هو ولايتان، نبراسكا وماين، حيث يمكن تقسيم الأصوات الانتخابية بين المرشحين.

نتيجة لطريقة "الفائز يأخذ كل شيء"، كانت هناك عدة انتخابات رئاسية أميركية لم يفز فيها الفائز في الانتخابات، أي الفائز بالأصوات الانتخابية، بإجمالي الأصوات الشعبية. كانت آخر مرة حدث ذلك هي في عام 2016، حيث تفوقت هيلاري كلينتون في التصويت الشعبي على دونالد ترامب بنحو 3 ملايين صوت (نقطتان مئويتان)، لكنها خسرت الأصوات الانتخابية في المجمع الانتخابي حيث حصلت على 227 صوتاً في حين حصل ترامب على 304 أصوات.

 

خلفية تاريخية موجزة جداً

تعود جذور (المجمع الانتخابي) إلى المؤتمر الدستوري لعام 1787، حيث كان على مؤسسي الولايات المتحدة حل العديد من القضايا، من بينها كيفية انتخاب الرئيس. كان هناك جانبان في الجدل حول هذه القضية، جادل أحدهما بأن الكونجرس يجب أن ينتخب الرئيس والآخر دافع عن التصويت الشعبي المباشر.

وكان الجانب المعارض لانتخاب الكونجرس للرئيس من أن ذلك سيجعل فرص التواطؤ أكبر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خاصة تلك الناتجة عن الفساد وتعميقه.

الجانب الآخر الذي يجادل ضد الانتخاب المباشر من الشعب، يدّعي أن الناس لا يمتلكون ما هو مطلوب، لا سيما المعلومات، لانتخاب المرشح الأنسب، ويخشى أيضاً أن يكون لدى الشخص المنتخب مباشرة من قبل الشعب قوة شعبية معينة يمكن أن تجعله خطيراً.

حقيقة الأمر أنّ نمط الانتخاب الذي جرى الاتفاق عليه في نهاية المطاف، والمستمر حتى الآن، جاء كتسوية سياسية بعد الحرب الأهلية الأمريكية، تضمن لقيادات تلك الحرب بالذات، بتأبيد سيطرتها على العملية السياسية ككل، وبتقسيم السلطة فيما بينهما بنفس الوقت.

ينبغي التوضيح أنه بشكل عام كان لدى جميع مؤسسي الولايات المتحدة موقف نخبوي، وأن نظام المجمع الانتخابي لانتخاب الرئيس، كان مفيداً للنخب لأنه كفل استبعاد الناس بما يكفي كي لا يكون لهم رأي مباشر في من يصبح رئيساً. وبالأساس فقد قامت المسألة على قمع مجموعات معينة كي لا تكون صاحبة رأي حاسم، مثل العبيد في المراحل الأولى أو مجموعات أخرى لاحقاً.

عندما تأسس المجمع الانتخابي، لم تكن هناك أحزاب سياسية عديدة. ووفقًا للبعض، فقد توقع مؤسسو الولايات المتحدة في أنه سيكون هناك عدد كبير من المرشحين في المستقبل، مما يعني أنه سيكون من المستحيل بالتأكيد لأي مرشح أن يحصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي. في هذه الحالة، عندما لا يكون هناك فائز، يُعاد الأمر إلى الكونغرس لانتخاب رئيس... أي مرة أخرى يعود الأمر للنخبة كي تتولى مسؤولية انتخاب الرئيس.

ومع ذلك، ما حدث بالفعل هو أن النظام السياسي الراسخ بعمق والقائم على الحزب القائد ذي الرأسين الذي نراه مستمراً حتى اليوم، لم يترك سوى فرص ضئيلة جداً أو معدومة لنجاح أي شخص من خارج النظام.

 

ما الذي يعنيه كل هذا؟

استناداً إلى الخلفية التاريخية الموجزة التي تمت مناقشتها أعلاه، وبنظرة عامة سريعة على كيفية عمل نظام المجمع الانتخابي، فإنّ من الواضح أن انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة ليس إطلاقاً عملية ديمقراطية يكون فيها للناس القدرة الفعلية على اختيار من يحكمها.

وذلك بالرغم من أنّ عمليات التصويت الأخرى في الولايات المتحدة، تقوم بمعظمها على مبدأ التصويت المباشر، سواء كانت لأعضاء الكونغرس، أو رؤساء البلديات، وما إلى ذلك.

علاوة على ذلك، وحتى في ظل هذا النظام القائم على الانتخاب غير المباشر لانتخاب الرئيس – عبر وسيط هو المجمع الانتخابي - فإن نظام التصويت النسبي لو كان معتمداً كان يمكن له أن يعكس بدقة أكبر التصويت الشعبي. بمعنى، بدلاً من الحصول على جميع الأصوات الانتخابية للولاية للمرشح الفائز في تلك الولاية، ربما كان من الأفضل والأكثر تمثيلاً تقسيم الأصوات الانتخابية بين المرشحين على أساس النسبة التي يحصلون عليها من الأصوات الشعبية في الولاية.

أخيراً، يعتبر انتخاب رئيس الولايات المتحدة من خلال المجمع الانتخابي، تذكيراً صارخاً ومستمراً بمدى نخبوية مؤسسي الولايات المتحدة، والدعوات لتغيير هذا النظام ليست جديدة.

على المرء أن يتساءل لماذا لا تجري الاستجابة لهذه الدعوات، رغم أنّ الأصوات القائلة بأنّ هذا النظام قد عفا عليه الزمن ولا بد من تغييره ترتفع سنة بعد أخرى، وتلقى دائماً أذناً صماء من النظام بطرفيه... كان هذا هو الحال في انتخابات عام 2016 عندما حصل المرشح الخاسر على ما يقرب من 3 ملايين صوت أكثر من الفائز، وأكثر من ذلك، ففي الانتخابات الحالية ربما ستجري الأمور بشكل أعقد حتى، وقد يستمر الخلاف لأسابيع وشهور إذا قرر المرشح الخاسر الطعن في النتائج في المحاكم (يمكن أن تكون هذه قضية أخرى بالكامل إذا تم رفع الطعون إلى المحكمة العليا حيث الوزن الأكبر هو للجمهوريين)... في نظام تصويت شعبي مباشر ما كان ممكناً أن تكون الأمور بهذا التعقيد ومع هذه الاحتمالات الخطرة.

أحد الأسباب الصارخة للاحتفاظ بهذا النظام هو أنه سيسمح بسهولة أكبر للمؤسسة السياسية في الولايات المتحدة بالحفاظ على نظام الحزبين، والذي هو في الواقع نظام الحزب الواحد ذي الوجهين. في الوقت نفسه، يسمح ذلك بالاستمرار في إعطاء عامة الناس الإحساس بأن هناك عملية ديمقراطية جارية يشاركون فيها بشكل كامل لانتخاب رئيسهم. ومع ذلك، فإن النظام الحالي لا يشجع معظم الناس على التصويت لأي شخص من حزب غير الحزبين المهيمنين، وبالتالي الحفاظ على الرئاسة ضمن هذين الحزبين، وضمن المؤسسة نفسها في نهاية المطاف...

آخر تعديل على الخميس, 05 تشرين2/نوفمبر 2020 18:33