ما هي شارلي ايبدو، وما وظيفتها؟
تشغل صحيفة شارلي إيبدو مساحة إعلامية أكبر من قيمة ما تقدمه بآلاف الأضعاف، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى اللعبة الاستفزازية التي تلعبها.
ما يبدو من حيث الشكل انتقاداً تقوم به صحيفة أسبوعية ساخرة يجري وصفها بأنها ذات أسلوب هجائي حاد، وذات «نزعة يسارية فوضوية»، لا يعدو في جوهره أن يكون استفزازاً يهدف بالضبط إلى إيقاظ النزعات اليمينية المتطرفة، حتى ولو عبر ادعاءات واهية بأنها ذات اتجاه «يساري».
وإذا كانت لافتة حرية التعبير هي الشعار الذي جرت تحت كنفه المعركة الأخيرة، فالهدف النهائي بالتأكيد هو قمع كل أنواع الحرية من حرية التعبير وصعوداً إلى كافة أنواع الحريات بما فيها السياسية وخاصة الاقتصادية، في سيناريو متكرر منذ هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 وحتى اليوم... ولماذا؟
إن صعود الحركات الجماهيرية المتواصل منذ بدايات هذا القرن والتسارع المترافق مع الأزمة الحالية للرأسمالية، وضع رأس المال المالي في مكان لا يحسد عليه. وفي محاولة استباقية منه لخنق الحركة الشعبية عبر تشويهها وحرف اتجاهاتها، فإنّ أسهل السبل هو تنمية النزعات المتطرفة، القومية والدينية، ضد المهاجرين واللاجئين بشكل خاص، وتحميلهم مسؤولية كل ما يجري... وذلك بالجوهر هو تكرار للظروف التي نشأت فيها فاشية هتلر، وحيث جرت أيضاً عملية حرف لنضالات الناس عقب أزمة الكساد العظيم 1929 باتجاهات عنصرية متعصبة وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية.
التيارات المتعصبة قومياً والإسلاموفوبيا
شغلت الرسوم الهزلية والكاريكاتير مساحة كبيرة من شارلي إيبدو، بوصفها «صحيفة سياسية هزلية أسبوعية فرنسية». سخرية الصحيفة شملت بشكل خاص المجالات السياسية، وكذلك تعمل بالصحافة الاستقصائية عن طريق نشر تقارير في الخارج أو في بعض المجالات مثل الطوائف، الدين، اليمين المتطرف، الإسلام السياسي، السياسة و الثقافة...
تتسم منشورات الصحيفة بكونها شديدة الاستفزاز وتهاجم المعتقدات الروحية للمتدينين في إطار تصوير نمطي سخيف لأتباع مختلف الأديان، وقد كان ظهورها الأول هو ما بين عامي 1969 و1981، ثم توقفت وعادت للصدور مرة أخرى منذ عام 1992.
اشتغلت الصحيفة منذ بداياتها على نشر الإسلاموفوبيا، إضافة إلى شتى أشكال التطرف المعادي للمتدينين لخلق معركة وهمية سواء بين أصحاب الديانات فيما بينهم، أو بين المتدينين من جانب وغير المعتقدين بالأديان من جانب آخر، أو بصورة أوسع، بين «شرق متدين» و«غرب كافر» على طريقة داعش في التفكير التي لا تختلف في الجوهر عن طريقة شارلي إيبدو... ولا عن طريقة هنتغتون في صراع الحضارات، والتي عبّر عنها جورج بوش الابن بشكل علني حين أعلن «حرباً صليبية جديدة»... وبكلمة واحدة فإنّ «حرية التعبير» التي تدعيها شارلي إيبدو، ليست سوى الوجه الآخر لـ«حرية القتل» التي تمارسها التنظيمات المتطرفة... وكلاهما وجهان لعملة واحدة هي «الفوضى الخلاقة» الأمريكية المنشأ... والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تعميم الفوضى في مناطق متعددة في العالم بغرض استنزاف الخصوم الدوليين، ولكن الآن وأكثر من أي وقت مضى، فإنها تهدف لعسكرة المجتمعات الغربية بالذات تحضيراً لدور أكثر بوليسية وقمعاً لجهاز الدولة الغربي الذي سيواجه تصاعد الحراك الشعبي بمنطق المؤامرة نفسه الذي تستخدمه أنظمة العالم الثالث...
تبدو المعارك التي تلعب فيها شارلي ايبدو دوراً محورياً منذ 2006 و 2011 إلى2012 و2015 وحتى اليوم دليلاً على الدور المطلوب منها، والذي تقوم به بكل احترافية وفي التوقيت المناسب على الدوام في تزامن مع عمل التنظيمات الإسلاموية كالقاعدة وغيرها.