توماس فريدمان والحرب الأهلية تحريض انتخابي أم تحريض حقيقي؟
استطاع تصريح توماس فريدمان أن يشعل وسائل الإعلام بما كانت ترفض تصديق احتماله سابقاً، حيث قال الصحافي والكاتب الأميركي توماس فريدمان إن الولايات المتحدة مقبلة على حرب أهلية ثانية بشكل محتّم، وأضاف أن ما شاهده في الولايات المتحدة مؤخراً يشبه كثيراً ما شاهده في لبنان قبل نشوب الحرب الأهلية.
وهو ما يؤمن به ثلثي الأمريكيين من أن الولايات المتحدة تقترب كثيراً وتكاد تكون على حافة الحرب الأهلية الثانية حسب وسائل الإعلام. ويسميها البعض الحرب الأهلية الثقافية بين سكان المدن وسكان الأرياف،
في مقابلة مع قناة CNN وصف فريدمان ما يجري بأنّه يفوق الخيال، ورأى أن الحزب الجمهوري يعمل للحرب الأهلية بشكلٍ حثيث حين ينزع الشرعية عن نتائج الانتخابات مسبّقاً في حال عدم فوز ترامب بها، وقال الكاتب الأميركي إن الخلاص الوحيد من خطر الحرب ربما يكون في كسب ترامب ولاية جديدة.
وكان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب امتنع عن التعهّد بانتقالٍ سلميّ للسلطة إذا خسر الانتخابات التي يُرتقب إجراؤها في 3 تشرين الثاني القادم، أمام منافسه الديمقراطيّ جو بايدن.
وتتعاطى الصحافة الأميركية بطرفيها الذين يفترضان أنهما يمين ويسار مع هذا الشرخ من خلال تشخيص ثنائيات أقرب إلى الوهمية تكون تارة بيضاً وسوداً أم جمهوريين وديمقراطيين.
حيث شخصت الاحتجاجات الأميركية التي تزامنت مع وباء كورنا كوفيد 19 وكانت بدايتها بمصرع جورج فلويد، على أنها الحرب الأهلية الأميركية الثانية (ليست هذه المرة بين الشمال والجنوب) ويتم تشخيص أحد أسبابها على أنه خلاف حول حرية التعبير، أو خلاف بين ايديولوجيتين جذريتين (الليبراليين والمحافظين) (المدن والريف)، بين المهمشين والحاكمين، الديمقراطية والعنصرية، حول الموقف من الشرطة أو حول محاولة تسييس كل شيء.
وانتقل النقاش إلى محاولة تشخيص الاحتجاجات وهل هي ثورة أم لا، وكانت أول بوادر ما يمكن أن نعتبره حرباً أهلية، في جعل منطقة من سياتل ذات حكم محلي وهي "تشاز"
وظهور الاحتجاجات اليمينية الفاشية المتطرفة إلى العلن في وجه الاحتجاجات الشعبية. ويشكل مؤيدو ترامب الجمهوري الأغلبية في المناطق الريفية بينما يشكل مؤيدو منافسه بايدن الديمقراطي الأغلبية في المدن.
إن التناقضات بين المجموعتين الاقتصاديتين اللتين تمثل الأولى منها اقتصاد الحرب والمجمع الصناعي العسكري الراغب في الاستمرار في السياسات الأميركية السابقة القائمة على انتاج السلاح والاستثمار في النزاعات العالمية لديمومة الاقتصاد الأميركي، والثانية التي تمثل الانكفاء الاقتصادي نحو الداخل الأميركي ومحاولة العودة إلى الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي لحل الأزمة الاقتصادية العالمية، هذا التناقض هو ما يدفع العملية السياسية برمتها في الولايات المتحدة اليوم.
فليست أي من القوتين بقادرة على حل مشاكل الاقتصاد الأميركي، التي تعبر في النهاية عن أزمة اقتصادية رأسمالية شاملة، تتركز في الحلقة الأقوى للرأسمالية أي الولايات المتحدة، فهي ليست أزمة اقتصاد رأسمالي فحسب، بل أزمة تشمل الرأسمالية العالمية، وتظهر أقسى صورها في الاقتصاد الأميركي.
لكن العامل الثالث والحاسم الذي يظهر في الصراع بين القوتين هو عامل الجماهير، الذي يحاولون إلباسه ألوان شتى، لكنه يصرخ عالياً معلناً عن نفسه، وليست التنبؤات عن حرب أهلية إلا تعبيراً عن خوف القوى الحاكمة المتصارعة من غضب الشارع المتعالي.