سوريا (2011-2014): درب الآلام الطويل
 روله السلاخ روله السلاخ

سوريا (2011-2014): درب الآلام الطويل

الاقتصاد: بعيداً عن التنمية ونحو إحصاء الخسائر

ثلاث سنوات كانت كافية لتقود الاقتصاد السوري نحو الانهيار والتدمير شبه الكامل الذي طال كل القطاعات. واليوم يعمل الاقتصاد السوري الرسمي في ظل حصار يحاصر معه الأطراف المنتفعة منه، وهم أصحاب الأعمال من جهة وكل سوري يعيش في الداخل من جهة أخرى.

وبدل أن يكون الهدف من السنوات السابقة بناء وتعزيز هذا الاقتصاد، فقد تحوّلت إلى سنوات لإحصاء الخسائر والأضرار العامة والخاصة، مع الإشارة إلى أن القائمين على الاقتصاد لم يتنبهوا باكراً إلى حجم الأضرار التي سيقع فيها.
وبدأت تبعات الأزمة تظهر تدريجياً على التجارة الخارجية وقطاعات السياحة والكهرباء والنفط، لينعكس كل ذلك ضائقة معيشية اقتصادية نتيجة فقدان فرص العمل وخسارة الممتلكات الخاصة.
وبحسب مصادر رسمية، فإن إجمالي الأضرار والخسائر وصل منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام 2013 إلى أكثر من 4.67 تريليونات ليرة سورية، منها 779.5 مليار ليرة كأضرار مباشرة و3.9 تريليونات ليرة سورية تشكل خسائر غير مباشرة، وهي أرقام مرشحة للازدياد.
من جهتها، المنظمات الأممية لم تكن بعيدة عن إبداء وجهة نظرها في الحالة السورية، حيث تحدث تقرير لـ«الاسكوا»، بعنوان «الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2014»، أن سوريا «خسرت 37 سنة من التنمية، وتراجع تصنيفها في جميع المؤشرات التنموية، لتحتل المركز قبل الأخير عربيا». كما أن كل يوم إضافي في هذه الأزمة يعني خسارة 109 ملايين دولار أميركي من الناتج المحلي الإجمالي، ويعني المزيد من التراجع وصعوبة إمكانية إعادة البناء.
ومع تسرب نسبة 38 في المئة من الطلاب من العملية التعليمية، ووصول البطالة إلى 42 في المئة، لم يعد هناك مجال للتمييز بين إعادة بناء البنية التحتية وإعادة بناء المجتمع والمؤسسات.
وتشير آخر التقديرات إلى أن استمرار هذه الأزمة يعني أن 6 آلاف شخص سيموتون شهريا. كما أن سوريا تخسر عشرة ملايين ليرة سورية كل دقيقة، وأن 300 شخص يهجرون بيوتهم كل ساعة، وأن تسعة آلاف شخص يصبحون تحت خط الفقر الأدنى، و2500 شخص يفقدون القدرة على تأمين قوتهم كل يوم، وأن 10 آلاف شخص يخسرون عملهم كل أسبوع.
ومع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سوريا ثماني سنوات إلى الخلف في جميع المؤشرات الاقتصادية والتنموية.
في سوريا كانت الأزمة شاملة، في السياسة والاقتصاد، وتمثلت في ضائقة معيشية للسوريين، وإذا أردنا أن نصف الوضع المعيشي في فترة ما قبل الأزمة، فما كان يميز البلد هو وجود طبقة وسطى أساسية، وهي الطبقة التي سُحقت مع بداية الأزمة. وفي آخر الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي السوري للإحصاء، فقد كان متوسط الراتب الشهري يقارب 14 ألف ليرة سورية في العام 2011، ورغم الزيادة التي أقرت على الرواتب منتصف العام الماضي، إلا أنها لم تكن ذات تأثير بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمشتقات النفطية.
ولتوضيح كيف تراجع المستوى المعيشي والعوامل المساهمة في هذا الوضع، قدم المركز السوري لبحوث السياسات أرقاماً تعكس التراجع الكارثي في الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي عرّض أمن الأسر ومعيشتها الى الخطر، وأدّى لزيادة الفقر والبطالة وحالة من الهشاشة بين السكّان. فالاستهلاك الخاص انكمش في العام 2012 بنسبة 25.3 في المئة مقارنة مع العام 2011، وبنسبة إضافية بلغت 4.8 في المئة في الربع الأول من العام 2013 مقارنة مع العام 2012. وحال النزاع المسلّح بين الغالبية العظمى من الأسر السورية ومصادر دخلها نتيجة نزوحهم، أو إغلاق أعمالهم، أو فقدانهم وظائفهم، كما أدى تخريب الممتلكات العامّة والفردية إلى تدهور إضافي في معيشة الناس.
علاوة على ذلك، قاد الارتفاع الهائل للأسعار المترافق مع النقص في البضائع والخدمات إلى زيادة أعداد المهمّشين الذين يكابدون حالياً للبقاء على قيد الحياة، ومعظمهم استهلك المدّخرات التي كان قد جمعها سابقا. كذلك انكمش الاستهلاك العام بنسبة 28.4 في المئة في العام 2012، وبنسبة إضافية تبلغ 7 في المئة في الربع الأول من العام 2013.
كما أن قوة العمل في سوريا خسرت ما يقارب مليوني فرصة عمل في العام 2012، وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 2.3 مليون بحلول الربع الأول من العام 2013. وفي نهاية آذار 2013، قدّر معدّل البطالة بـ 48.8 في المئة، ومن المقدّر أن تؤثر الزيادة في أعداد العاطلين من العمل كثيراً على الحالة المعيشيةٌ لحوالي 9.6 ملايين شخص تقريباً، بناءً على معدّل الإعالة لعام 2010 الذي كان 4.14 في المئة.
ويقدر بأن هناك 6.7 ملايين شخص إضافي قد انضمّوا إلى قائمة الفقراء في الربع الأول من العام 2013، منهم 3.6 ملايين نسمة من الأشخاص في فقر مدقع. وبالتالي، فإن أكثر من نصف سكّان سوريا يعيشون حالة من الفقر.
وبالرغم من حصول زيادة إجمالية كبيرة في الفقر في كل منطقة في أنحاء البلاد، إلا أن هذا الأمر كان أكثر وضوحاً في المناطق الجنوبية والوسطى الشمالية، بينما كان أقل ظهوراً في المناطق الشرقية والساحلية. علاوة على ذلك، حصل تسارع في معدّل الفقر أثناء الربع الأخير من العام 2012 والربع الأول من العام 2013.
وبإمكاننا القول إن الأزمة أدت إلى إلحاق أضرار بجميع القطاعات الخدمية المترابطة بعضها ببعض. ومن بين أكثر القطاعات المتضررة من الأزمة، الكهرباء. وبعدما كان لدى سوريا، قبل الأزمة، اكتفاء في الطاقة الكهربائية وتوزع إلى دول الجوار، فقد أثرت الهجمات على الشبكة الكهربائية على أداء المؤسسات العامة والخاصة، حيث إن ساعات التقنين الطويلة أدت الى انخفاض الإنتاج.
وقدّر مسؤول في وزارة الكهرباء السورية، في تصريح لـ«السفير»، القيمة التقديرية للأضرار المباشرة التي لحقت بقطاع الكهرباء منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام الماضي بنحو 157 مليار ليرة سورية وفق الأسعار الحالية للمواد وتجهيزات المنظومة الكهربائية. كما كانت الوزارة قد قدّرت قيمة الأضرار الحاصلة على الشبكة نتيجة الاعتداءات بنحو 135 مليار ليرة سورية لغاية الربع الأخير من العام 2013.
مع الإشارة إلى وجود أضرار لم تتمكن الوزارة من حصرها بعد، بسبب وقوعها في مناطق المعارك. وتقدر قيمة الإصلاحات الإسعافية المنفذة في شبكات توزيع ونقل الكهرباء بحدود 23 مليار ليرة.
وكان وزير الكهرباء عماد خميس قد أوضح مؤخراً أن الدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع الكهرباء قد ارتفع إلى 600 مليار ليرة، بينما كانت الحكومة في العام 2011 تدعم هذا القطاع بما يقارب الـ300 مليار ليرة وذلك تبعاً لأسعار الوقود العالمية آنذاك.

النفط
وبالاستناد مرة أخرى الى ما أورده تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، فقد شهد قطاع الصناعة الاستخراجية خسائر فادحة، كانت في بداية الأمر ناجمة عن العقوبات الدولية وانسحاب الشركات الأجنبية بدءاً من تشرين الأول 2011. ولكن النزاع المسلّح وغياب الأمن أديا في العام 2012 إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع بنسبة 49 في المئة. أمّا في الربع الأول من العام 2013، فقد أصبح الوضع أكثر مأساوية مع فقدان الحكومة السيطرة على العديد من الآبار النفطية، الأمر الذي قاد إلى تراجع إضافي في هذا القطاع الذي كان يعتبر المصدر الأساس للقطع الأجنبي.
ووفق الأرقام الصادرة عن وزارة النفط، فإن الأزمة أدت إلى تراجع إنتاج النفط من 385 ألف برميل إلى 13 ألف برميل، أي حوالى 5 في المئة مما كانت تنتجه سوريا. وأصبح الاعتماد في الوقت الحالي في تأمين المشتقات على الخط الائتماني الإيراني.
وبلغت أضرار القطاع النفطي خلال الأعوام الثلاثة الماضية نحو 1600 مليار ليرة. ويقول مصدر خاص، لـ«السفير»، «استطعنا الخروج من الأزمة، التي كانت عبارة عن حصار اقتصادي تمثل بمنع التوريدات من المشتقات النفطية والمعاقبة بإيقاف عمل المصافي، ورغم ذلك جرى تأمين البنزين والغاز والمازوت بنسب معقولة، وإن حصلت اختناقات في بعض الأوقات، لكنها لم تعد تمتد إلى فترات طويلة، كما أن المصافي، رغم الصعوبات، بقيت تعمل بنصف طاقتها، واستمر التوريد من النفط الخام والمشتقات النفطية، مع الإشارة إلى انخفاض الاستهلاك في مناطق محددة».
ومع طول فترة الأزمة، بدأ الصراع يتحوّل نحو نهب وسرقة المخزون الاستراتيجي لبعض المواد، بينها القمح. ومع ذلك يوضح مصدر من المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب لـ«السفير» أن لدى سوريا ما يكفي من مخزون القمح لأكثر من عام، والكميات المستوردة تأتي لتغطية جزء من النقص الذي قد يحصل. ويضيف أن «حجم عقود الاستيراد لمادة القمح بلغ 2.4 مليون طن، وصل منها حوالي مليون و900 ألف طن، والباقي قيد الاستيراد».
هذا التراجع الاقتصادي طال الحركة التجارية أيضا. وتسجل آخر التقارير أن الصادرات السورية تراجعت بنحو 95 في المئة بين الربع الأول من 2011 والربع الأول من 2013. وفي مراجعة لحركة الاستيراد والتصدير حتى العام 2010، فقد كانت معظم الصادرات السورية للدول العربية عبارة عن مواد غير نفطية، وتشكل 40 في المئة من إجمالي الصادرات، بينما كانت تستورد سوريا من الدول العربية ما يعادل 15 في المئة من إجمالي المستوردات، أي أن الميزان التجاري مع الدول العربية رابح بمقدار 106 مليارات ليرة سورية. ويستأثر العراق بـ26 في المئة من إجمالي الصادرات السورية الى الدول العربية، بمقدار 149 مليار ليرة. وبلغت نسبة الصادرات السورية إلى تركيا 5 في المئة، قيمتها 570 مليون دولار أميركي.

السياحة
بعض القطاعات كانت تشكل مصدراً لتأمين القطع الأجنبي للاقتصاد السوري، ومنها القطاع السياحي، الذي يعد اليوم شبه متوقف عن العمل ولا يحقق للميزانية العامة أية إيرادات. ومن نتائج الأزمة توقّف بعض المشاريع السياحية عن العمل نتيجة وقوعها في مناطق ساخنة أو قربها منها، كما أن العقوبات المفروضة على سوريا قد أدّت إلى عزوف معظم الشركات المُتعاقد معها على مواكبة هذه المشاريع، وبالتالي أصبح من الصعوبة متابعة التنفيذ في ظل عدم وجود جهة مشرفة على أعمال التنفيذ.
وتقدر خسائر وزارة السياحة المادية في نهاية العام 2013 بما يزيد على 3 مليارات ليرة سورية، نصفها تقريباً خسائر القطاع السياحي في محافظة حلب وحدها، إضافة إلى مئات الملايين قيمة المسروقات من آليات ومعدات. 

المصدر: السفير