أزمة فوق أزمة في سورية
وصول كوفيد-19 إلى بلد مضى عليها عقد في الحرب لم يعنِ إلا مراكمة أزمة فوق أخرى. اعتبرت الأزمة في سورية كأسوأ أزمة إنسانية منذ عقود، مخلفة قرابة نصف مليون قتيل سوري ومجبرة أكثر من 11 مليون شخص – أي نصف سكان البلاد – على النزوح خارج منازلهم. الهدف المعلن من العقوبات، وعلى رأسها عقوبات الولايات المتحدة، هو حرمان الحكومة السورية من الموارد، لكنّها أعاقت جهود مجموعات الإغاثة لمواجهة الكوارث في سورية.
ترجمة عروة درويش
ولا تشكل المراكز التي افتتحتها المنظمات الإنسانية في سوريا للمساعدة في مسألة كوفيد-19 سوى إجراءات طارئة؛ ففي غياب فحوص على نطاق واسع أو أسرّة طبيّة ملائمة أو منافس تهوية كافية، يتم حجر المصابين في المراكز القليلة جداً لمدة 14 يوم لضمان عدم نقلهم العدوى. فقط المرضى ذوو الأعراض الشديدة ينقلون إلى المستشفى، الأمر الذي يكاد يكون مستحيلاً لنقص أسرّة المشافي وسيارات الإسعاف.
بدأت هذه المراكز، كالمركز الصغير الممول من منظمة إغاثة في مدينة إزرع، تشهد انفجاراً في أعداد المرضى منذ تموز. تأتي عائلات بأكملها مصابة، وفي جميع الأعمار، حيث سجّل المركز إصابة طفل بعمر 8 أشهر.
تؤكد الجهات الرسمية وجود 944 حالة و48 حالة وفاة حتّى تاريخ 12 آب. لكنّ عمال الرعاية الصحية يقولون بأنّ الوفيات تجاوزت المئات، وبأنّ أعداد المصابين في العاصمة قد تجاوز بالفعل الآلاف. من غير المعلوم إن كانت الحكومة تخفي التقارير الحقيقية عن الأعداد عمداً، أم أنّها لا تملك بالفعل القدرة على إصدار تقارير واقعية. يقول الأطباء بأنّهم استمروا لأشهر بالإعلان يومياً عن مئات حالات الإصابة بذات الرئة.
بات توفير معدات فحص أكثر صعوبة مع ارتفاع أعداد المصابين بكوفيد-19. فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة بدءاً من منتصف حزيران، الأمر الذي زاد في إعاقة التحويلات المصرفية والأجنبية وتزامن ذلك مع تضخم الليرة السورية. حيث ارتفع سعر سلّة غذائية تحوي طحيناً وفاصولياء وزيت بنسبة 111% وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي. ووصل سعر الليرة السورية في السوق السوداء، حيث تحدث معظم تدفقات العملة، إلى 3000 ليرة مقابل الدولار.
تخشى المنظمات الإغاثية من نقص الغذاء بمثل خشيتها من انتشار كوفيد-19، حيث تواصل الأسعار ارتفاعها وتصعّب العقوبات تحويل الأموال إلى البلاد لشراء المنتجات محلياً. إذا ما مزجنا هذه العوامل معاً سنرى بأنّ البلاد جاهزة للانتشار المتزايد للفيروس حال توطنه بين المجموعات. يبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة السورية ستّة أفراد، والكثير من العائلات تعيش معاً أو في أماكن مزدحمة بسبب الحرب.
كما قالت مديرة منظمة MSJM عن الحكومة: «يريدون أن يظهروا وكأنّهم يواكبون الأعداد ويتخذون الاحتياطات، لكنني أعتقد بأنّ أرقامهم أدنى بكثير من الواقع. وضعنا الكثير من الحالات في عياداتنا لأسابيع ولم يتم إجراء فحص. نعالج ذات الرئة ويموت الناس قبل أن نستطيع تشخيصهم إن كانوا مصابين بالفيروس أم لا، وهم مصابون على الأغلب».
استثناءات وهمية
منافس التهوية هي إحدى المعدات الطبية الكثيرة التي تصنّف في خانة «الاستعمال المزدوج» تبعاً للعقوبات الأمريكية. يعني هذا بأنّها تحتاج لاستثناء خاص، حيث يمكن استخدام قطعها في صناعة الأسلحة. الكثير من منظمات الإغاثة والشخصيات البارزة انتقدوا العقوبات بشدّة. حذّر خبراء من جامعة أكسفورد منّ أنّ فرض العقوبات على دولة ذات نظام رعاية صحي هش أثناء الوباء يهدد بانفجار حالات كوفيد-19 في الشتاء.
ذكرت في ذات السياق البارونة كارولين كوكس، عضو مجلس اللوردات البريطاني في تصريح لها بأنّ العقوبات: «تتسبب بعواقب إنسانية رهيبة». لم تتمكن المنظمة التي تديرها كوكس من دعم مشاريع الكنيسة في إعادة إعمار المناطق التي وعدتها بدعمها، وخصوصاً في منطقة معلولا المنكوبة.
ما يثير قلق المجموعات الإغاثية هو أنّ قانون قيصر يفرض عقوبات على الجهات غير السورية التي تربطها أيّ علاقة بالحكومة السورية. يشلّ هذا الأمر المنظمات الإغاثية كما يقول أحد مدرائها، حيث يتوجب على المنظمات غير الحكومية أن تسجّل نفسها لدى الحكومة للسماح لها بالعمل مع الكيانات التي تديرها الدولة، مثل المستشفيات. وعمليّة التقدم للحصول على استثناء من وزارة الخزانة الأمريكية مبهمة وغامضة.
رغم الادعاءات الأمريكية المعاكسة، يبدو نظام العقوبات الجديد على الأرض في سورية مثالاً آخر على مدى تشوش التدخل الغربي ذي الأهداف غير الواضحة. قامت الولايات المتحدة في عهد أوباما بتهريب السلاح إلى سورية والذي انتهى به المطاف في يد مجموعات مرتبطة بالقاعدة مثل داعش، وبعدها دعا أوباما إلى حملة لهزيمة داعش.
وكما أشارت كوكس، فإنّ القول بأنّ عزل النظام سيجعله يسقط من تلقاء نفسه قد فشل، فالنظام قد نجا. وكما يذكر الدكتور حسن، مدير مركز إغاثة إزرع الذي يتحدث عن نومه في المركز خوفاً من العودة لمنزله بسبب الاغتيالات والخطف المستمر والهجوم على المراكز الحكومية: «كلّ شيء صعب. الناس تنتظر كثيراً للحصول على الرعاية، وهم مرضى بشكل شديد. لا نملك ما يكفي من الأدوية أبداً، ولا ما يكفي من المعدات أو الأدوات. نحتاج لسيارات إسعاف أو طوارئ. نحتاج للمزيد من الفحوص. عندما أنظر إلى المستقبل أقلق، ولكن ما باليد حيلة».
بتصرّف عن: Catastrophe upon catastrophe in Syria