سوريون على «قارعة الحدود»
بعد أن أصدرت الحكومة السورية عبر وزارة المالية قراراً بفرض «رسوم دخولية» بقيمة 100 دولار على جميع السوريين العائدين إلى بلدهم من الخارج في منتصف حزيران الماضي، تم تأجيل العمل به إلى آب الحالي، وكانت أولى نتائجه يوم السبت 1/آب، حيث جرى منع عشرات السوريين من دخول وطنهم وجرى إبقائهم على «قارعة الحدود» كعيدية في أول أيام العيد «السعيد».
مُجرد تصريف!
تُبرر الحكومة السورية الأمر بأنّ مجمل القرار هو «تصريف» وتبادل لقيمة هذه الدولارات بالليرة السورية وفقاً لما يحدده المصرف المركزي السوري، بفارق يصل إلى الضعف عن السوق السوداء، في حين أن تكاليف معيشة السوريين، والغالبية الساحقة من تبادلاتهم التجارية، تحدد وتجري وفقاً للسعر غير الرسمي وضوحاً، إلا أن الحكومة لا تريد أن ترى أو تعترف بهذه الوقائع رسمياً خدمةً لقوى الفساد نفسها، وليس ضبطاً لسعر الصرف.
بل إن هذه الـ 100 دولار من كل سوري، يخسر صاحبها نصف قيمتها، ليعاد ضخها إلى كبار المستوردين من أصحاب النفوذ.
«مين ما معه 100 دولار بالله؟»
من جهة ثانية تبرر الحكومة السورية على لسان وزير المالية، مأمون حمدان، بأنه من المستبعد أن يكون السوري القادر على السفر لا يملك 100 دولار، فوفقاً لتقديره فإن سيارة الأجرة من بيروت إلى دمشق تُكلف مئات الدولارات، وعليه، ما من مشكلة بمائة إضافية يجري «تصريفها» فقط...؟
لا تحتاج هذه المحاججة العجيبة حقاً، للتفنيد؛ فها هي تُعبر عن نفسها فيما يجري على الحدود السورية.
من أبسط التعليقات الواردة على هذا الخبر قول أحدهم: «تخيلوا يكونوا ساكنين بالمخيمات وحابين يرجعوا على بلدن، إذا شخص هو ومرتو وعندن ولدين فوق ال ١٨ سنة يعني بدو ٤٠٠ دولار يصرفا دخولية، يعني حوالي ٣ مليون و٥٠٠ ألف ليرة لبناني على سعر تصريف اليوم». ولعلم وزير المالية والحكومة، التي ربما لا تعلم!، فإنّ نسبة هائلة من السوريين العاملين في لبنان فقدوا عملهم خلال الأشهر الأخيرة، ومن بقي منهم على رأس عمله فهو يتقاضى راتباً يتراوح بين 400 و800 ألف ليرة لبنانية شهرياً، أي (50 إلى 100 دولار)، وهو بالكاد يتمكن من تأمين طعامه... وهذا النوع بالذات هو الذي باتت المئة دولار حاجزاً إضافياً بينه وبين العودة لبلاده...
قضية الـ«100 دولار»، وهي قضية فعلاً بالنسبة لعدد كبير من السوريين في الخارج وفي لبنان خاصة، تحمل في طياتها إشارة واضحة عن مدى صدق الحكومة السورية في حديثها عن رغبتها بعودة اللاجئين...
ما الداعي لهذا الاجراء؟
هل الحكومة مضطرة حقاً لهذا الإجراء؟ أياً كانت الإجابة، فإن المؤكد أن أسباب القرار ليست نابعة من إحساس بالمسؤولية أو حرص على الوطن وماله، وإنما إضافةً بائسة إلى موارد النهب والسرقة لطغمة الفساد من جيوب السوريين المفقرين والمعدمين أصلاً، بالإضافة إلى عرقلة وتأخير عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهذا له تبعاته السياسية.
لا حل إلا بالتغيير
إنّ هذه المنظومة التي لا تزال تتحكم قوى الفساد بمفاصلها لا حلّ معها إلا بتغييرها تغييراً جذرياً وشاملاً، الأمر الذي يؤمن مدخله الوحيد حتى الآن: الحل السياسي وتنفيذ القرار الدولي 2254 الذي تتهرّب منه جميع القوى المتشددة في النظام والمعارضة، وكل تأخيرٍ في تطبيقه سيجلب المزيد من المعاناة على عموم البلاد وشعبها.