ما الذي تريده واشنطن من إعلان «اتفاق نفطي» في سورية؟
أثار الإعلان الأمريكي عن توقيع عقدٍ لاستثمار النفط بين شركة أمريكية مغمورة هي «ديلتا كريسنت إنيرجي»، وبين الإدارة الذاتية، موجة من ردود الأفعال المتشنجة على المستوى المحلي والإقليمي.
وقبل الدخول في تقييم ردود الأفعال على الإعلان، ينبغي النظر إلى «الاتفاق» نفسه ومعانيه. حينها فقط يمكن تقييم ردود الأفعال ليس فقط بمعنى مدى صحتها أو خطئها، بل أكثر من ذلك: لمصلحة من؟
لزوم ما لا لزوم له
إذا كان الحديث متمحوراً حول من هو المستفيد من النفط السوري في المناطق التي يتواجد فيها نفوذ المحتل الأمريكي، فالإجابة واحدة قبل الإعلان وبعده: الأمريكي كان يسرق النفط السوري، الأمريكي لا يزال يسرق النفط السوري... ما الذي اختلف إذاً؟
على أرض الواقع، وبما يتعلق بالنفط، لم يختلف شيء. الذي اختلف هو أنّ الإعلان تحول إلى بوابة لتحقيق مجموعة أهداف أمريكية متدرجة:
أولاً: تكريس وتصعيد حالة التشنج بين (الإدارة الذاتية/مسد) وبين دمشق من جهة، وأنقرة من جهة ثانية، والقوى السياسية والمجتمعية التي لا تتبع لقسد أو لا تتوافق معها على الأقل في مناطق الشمال الشرقي.
ثانياً: يستهدف هذا التصعيد إغلاق أبواب الحوارات المتعددة التي حاول مسد فتحها في الأشهر الأخيرة، وبالدرجة الأولى إغلاق أبواب الحوار مع دمشق، ومن ثم مع بقية القوى على الساحة السورية.
ثالثاً: إغلاق أبواب الحوار، يعني فتح أبواب التوتير والتصعيد، ويعني تكريس حالة من العزلة لمسد يريد الأمريكي من خلالها إضعاف هذه الجهة إلى الحدود القصوى وتحويلها إلى أداة طيّعة بيده إلى الحدود القصوى.
رابعاً: ليس خافياً أيضاً، أنّ إعلاناً من هذا النوع، من شأنه أن يثير إشكالات إضافية لمسد، ليس مع قوى في الداخل السوري فحسب، بل وعبر الإقليم، بما في ذلك تركيا وإيران.
وبكلمة واحدة، فإنّ هذا الإعلان من وجهة النظر الأمريكية يستهدف هدفين أدنى وأعلى؛ الحد الأدنى: الحفاظ على التوتر والعزلة ومحاولة تفعيل الورقة الكردية كصاعق في وجه تنفيذ القرار 2254. الحد الأعلى: الوصول إلى تفجير المنطقة مجدداً.
الرجل السيئ
هل يعني ذلك كلّه أن «الرجل السيئ» الوحيد في هذه الرواية هو الأمريكي؟ قطعاً لا... فالمتشددون داخل الإدارة الذاتية يتحملون مسؤولية الموافقة على هذا الاتفاق وعلى الإعلان، والمتشددون في النظام وفي أنقرة كذلك الأمر... وباختصار فإنّ كل من يراهن على عدم الوصول إلى حل، وعلى عدم تنفيذ القرار 2254، يتلطى الآن وراء «اعتبارات وطنية وقومية» لينتج مواقف تصب في الطاحون الأمريكي، لعل وعسى يؤدي ذلك لإبعاد الحل.
خلاصة
إذا كان من المفروغ منه من وجهة النظر الوطنية السورية أنّ الاتفاق «النفطي» مع الأمريكي مدان، فإنّ ما ينبغي التعامل معه بأقصى درجات الحكمة، هو ألا يصل هذا الإعلان (الخلّبي والذي لا قيمة له بالمعنى الواقعي) إلى الأهداف التخريبية التي يريدها الأمريكي منه.