رأيٌ أوليٌ بالاتفاق الكردي – الكردي (الأوّلي)
أعلن الطرفان الكرديان السوريان (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي تضم 25 حزباً، والمجلس الوطني الكردي) يوم السادس عشر من الجاري، توصلهما إلى اتفاق أولي بعد سنوات متتالية سادها ما يشبه القطيعة بين الطرفين، بل والخلاف الذي وصل حد التناقض وتبادل الاتهامات في كثير من الأحيان، وذلك رغم أنّ بين الطرفين، أو بين أقسام أساسية منهما، تاريخاً من الاتفاقات المتتالية (هولير1- هولير2- دهوك) التي لم تنجح في الوصول إلى الغايات النهائية المرجوة منها.
◘مهند دليقان
الوصول إلى اتفاقٍ، وإنْ كان أوّلياً، هو بحد ذاته أمر إيجابي؛ فمصير القوى السياسية السورية عموماً هو أن تجد لغة مشتركة وأرضية مشتركة بعد كم الصراعات الهائل الذي لعبت ضمنه قوى متعددة دولية وإقليمية ومحلية. وأكثر من ذلك، فإنّ الاتفاق المشار إليه يكتسب أهميته بالذات من الحقيقة التي يعرفها الجميع والتي تشير إلى حجم التناقض القائم بين المتفقين عبر السنوات الماضية.
النوايا التي جرى التعبير عنها من شخصيات أساسية في الطرفين، والمتمركزة حول فكرة أساسية هي أنّ هذا الاتفاق هو تمهيد لاتفاقات تضم مختلف القوى السياسية السورية بغض النظر عن انتمائها القومي، وتساهم في العمل ضمن إطار الوحدة الوطنية السورية، هو أيضاً أمر إيجابي يصب في الإطار العام للحل السياسي المعني بالخروج من الأزمة على مبدأ التوافق.
ورغم ذلك...
لا يمكننا أن نعزل الاتفاق عن زمانه ومكانه وظروفه وراعيه الأساسي؛ فليس لدينا أدنى شك في أن الأمريكي وما مارسه من ضغوط معروفة لإعلان هذا الاتفاق الأولي، لم يفعل ذلك خدمة للمصلحة السورية العامة، بل وبالضبط لم يفعله خدمة لمصلحة الكرد. على العكس من ذلك، فإنّ الدفع الأمريكي باتجاه هذا الاتفاق، إنما هو بغرض توظيفه ضد المصلحة السورية وضد المصلحة الكردية وضد الحل السياسي ككل.
لا يغيب عن أذهان السوريين، بمن فيهم المشتركون في الاتفاق، أنّ الأمريكي عبر سياساته اتجاه سورية، والتي تتمركز هذه الأيام ضمن محاور أساسية (قيصر والعقوبات الإجرامية التي تعمق مأساة عموم السوريين، محاولة شرعنة النصرة وتعقيد عملية تفكيكها وإنهائها، التعاون المباشر أو غير المباشر مع الفاسدين الكبار من الطرفين السوريين لتكريس احتمالات انفجار جديد وشامل يطيح باحتمالات التطبيق الكامل للقرار 2254 أي الوصول إلى الحل السياسي) إنما يشتغل لمعاكسة حركة التاريخ، لعل وعسى يبقي سورية مستنقعاً للفوضى بهدف إشغال واستنزاف خصومه الدوليين والوقوف في وجه التغير الحتمي الحاصل في ميزان القوى الدولي، والاستمرار بتصدير أزماته الداخلية العميقة وعلى رأسها أزمته الاقتصادية الشاملة.
ضمن الإشارات السلبية التي يحاول الأمريكي تقديمها حول الشمال الشرقي ككل، وحول الاتفاق نفسه، بما في ذلك (الادعاء الكاذب بأنه لن يطبق قيصر في الشمال الشرقي، وهو ادعاء يكفي وضع الليرة السورية لدحضه)، إشارة أساسية هي إصراره على عزل هذه المنطقة عن بقية المناطق السورية، وعزلها تالياً عن عملية الحل السياسي ككل؛ الأمر الذي يسمح له ولوسائل إعلامية مختلفة أن تصور الاتفاق بوصفه اتفاقاً بين الكرد وضد بقية السوريين. هذا بالضبط ما يسعى الأمريكي لفعله.
ما يساعده في هذه المسألة، هو طروحات يقدمها بعض من يشتركون بالاتفاق، بالحديث الملتبس عن الفيدرالية وعن الحكم الذاتي وما شابه، وكذلك تساعده قوى قومية متعصبة على الطرف الآخر لا ترى في القوى الكردية إلا أنها قوى شر وقوى انفصال وإلى ما هنالك.
قلب السحر على الساحر
وإذا كانت الغايات الأمريكية مفهومة للقوى الوطنية السورية، ونجزم بأنها مفهومة بالنسبة لأقسام غير قليلة من الموقعين على الاتفاق، فإنّ قلب السحر الأمريكي على صاحبه، لا يزال إمكانية واقعية ينبغي العمل عليها. المفتاح في ذلك هو تحويل هذا الاتفاق الأولي إلى باب للحوار مع بقية القوى السورية بما يصب في إطار الوحدة الوطنية السورية، وعلى أساس التوافق بينها جميعاً دون فرض مسبق من طرف على آخر. وبالمعنى الملموس والعملي، استمرار الضغط لإشراك هذه القوى بشكل فاعل ضمن أطر العملية السياسية السورية.
في العمق، فإنّ القضايا المرتبطة بالعلاقة بين المركزية واللامركزية، تحتاج إلى تفاهمات وتوافقات بين السوريين ككل، بحيث لا يجري فرض أيٍ من الصيغتين الأقصويتين بشكل استباقي على الآخرين. الصيغة التي تحتاجها سورية الجديدة (برأينا) هي صيغة متطورة للعلاقة بين مركزية قوية في الشؤون الأساسية (الدفاع، الأمن، الخارجية، الاقتصاد، المالية العامة)، ولامركزية يكون هدفها تحقيق سلطة الشعب في المناطق، بحيث يمارس الناس دوراً مباشراً في الرقابة على مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، وكذلك يشتركون في إدارتها وإدارة التنمية بشكل خاص. وذلك بالتوازي مع اعتراف دستوري وقانوني واضح بالتنوع القومي في سورية، وبحقوق القوميات المختلفة، بما يجعل من السوريين ككل مواطنين متساوين أمام القانون.
الإرادة أقوى من الهواجس
رغم وجود هواجس وتخوفات يطرحها كثيرون حول الاتفاق الأولي الذي جرى إعلانه، إلا أنّ من واجب القوى الوطنية السورية، سواء من تلك التي وقعت على الاتفاق، أو من بقية القوى السورية، أنْ تمتلك الإرادة الوطنية في بذل جهود مضاعفة لافتكاك هذا الاتفاق من يد الأمريكي ومخططاته المعادية لكل السوريين. وفي السياق، فإنّ على هذه القوى جميعها أن تتحلى بروح الإخوة السورية والحرص، للعبور بسورية ككل إلى بر الأمان...