فاتحة تفاوض
عبداللطيف مهنا  عبداللطيف مهنا

فاتحة تفاوض

المقترح الروسي لمنع عدوان “الضربة” المزمع على سورية، من شأنه، حتى الآن، أن فلَّ عدواناً  مبيَّتاً ، والقى بحبل نجاة لإخراج اوباما المحارب من ورطة خطة الأحمر. لكنه لازال فاتحة لتفاوض ، ومبادرة لم تنضج بعد بكامل تفاصيلها أوتتبدى حدودها ، ابعدت ، أو أجَّلت ، أو أعاقت هذا الفصل من العدوان ، حين سحبت ذريعته واربكت متذرِّعها … متذرِّعها المربك الذي سعى إلى حبل نجاتها  وكان قد فاوض الروس من تحت الطاولة عليها . هناك من استعجل فانشغل بحسابات الربح والخسارة ولم ينتظر نتائجها التي وحدها من سيقول لنا ماربح وما خسارة كل من طرفيها ، وهما ، في كل الأحوال ، ما لن تحددهما إلا حسابات موازين القوى على الأرض ، وليس قعقعة آلة حرب المعتدين ، وجاري استعراضات القوة الغاشمة التي تعلو على ضجيجها المتوعِّد جعجعة أباطيلهم ومزاعمهم.

ولأنها فاتحة تفاوض لابد منه وكلٍ يسعى من زاويته وبطريقته إليه ، أو هو سيجد نفسه في نهاية المطاف مضطراً لنشدانه، كان هذا هو جوهر هذه المبادرة الروسية، الهادفة أصلاً لكف أذى العدوان الأميركي على سورية ، أو فل آخر تجلياته التي تتهددها، ولهذا أيضاً يقول الرئيس الروسي: ” إن تخلي سورية عن سلاحها الكيميائي يكتسب مغزىً فعلياً فقط عند تخلي أميركا عن استخدام القوة”، بمعنى أن التخلي عن الكيميائي يقابله التخلي عن العدوان، ويزيد فيوضح ” إن من الصعب اجبار سورية، أو بلد آخر، على نزع سلاحه في شكل آحادي الجانب، إذا كان ثمة عمل عسكري قيد التحضير له ضد هذا البلد”، وعليه، لكي تتخلى سورية عن سلاحها الكيميائي يتحتم أن “يتخلى الجانب الأميركي، وجميع من يدعمونه عن اللجوء للقوة”. أوليس لهذا يؤكد الرئيس الأسد لاحقاً أن سورية لن تلتزم بالمبادره الروسية مالم توقف أميركا تهديداتها وتوقف تسليحها للمعارضة… هنا الضمانات مستوجبة فالأميركان كذبة لايَصْدقون، كما لابد وأن وتغدو مسألة طرح ترسانة الكيان الصهيوني للدمار الشامل، الزاخرة نووياً وكيميائياً وبيولوجياً، هى ايضاً تحت طائلة البحث…

 

… والمبادرة الروسية ماكان لها أن تفعل فعلها في معسكر الغرب العدواني، وأن يلهث العالم متتبعاً تداعيات طرحها متنبئاً لمآلاتها، إلا استناداً إلى عوامل كشفت الأزمة عنها، وفي مقدمتها بلوغ التحولات الكونية مبلغاً لم تعد معه الأمم المتحدة مؤسسةً ملحقةً بوزارة الخارجية الأميركية، وما عاد بمستطاع بان كي مون أن يبدو كناطق باسم هذه الوزارة. مصير المشروع الفرنسي، النام عن رعونة وخفة، والموءود قبل وصوله إلى مجلس الأمن، خير دليل على ذلك… انتهى زمن بلطجة آحادية القطبية وأتت بدايات زمن تعددها، وتغيرت قواعد الاشتباك بين بين شرق بوتن وغرب اوباما، وها هي الحرب الباردة، بل وما بين الباردة والساخنة، ومعترك صنوف الحروب الديبلوماسية، على اشدها .

 

هذه المبادرة لم تدفع المحارب اوباما لأن يطلب من الكونغرس تأجيل تصويته على قرار منحه التفويض بشن عدوانه على سورية، إلا لأنها، كما اسلفنا، قد وفَّرت للغارق في ورطة خطه الأحمر طوق نجاة … لقد حاول عبثاً تحشيد الرأي العام الأميركي الرافض لتكرار حروب إداراته خلف عدوانه فلم يفلح. لم تجد تقارير استخباراته المنقولة في أغلبها عن شبكات التواصل الإجتماعي في اقناع العالم باكاذيبها الكيميائية ، فاستعاض عنها بتهويل لتغطية تراجع، والحقه تطبيلاً بأن المقترح الروسي والقبول السوري به ناجم عن تهويله ووعيده، في حين كان العالم كله يعرف أن المبادرة الروسية هى منتج لمباحثات روسية اميركية سبقت، كانت تجري تحت الطاولة وكانت فوقها في قمة ثمانية سانت بطرس بورغ، أو على هوامشها، وكانت مادةً للقاءات واتصالات كيري لافروف المتعددة. لقد كانت مناقشاتها المكتومة تمضي في ظل وابل من ذاك الضجيج، والآن جاري هذا التطبيل، وما كانت لتمضي سوى لكونها توفَّر للمغامر مخرجاً، وللمعتدى عليهم إيقاف عدوان … لقد فعلت فعلها لأنها مخرج من ازمة ، والأهم أنها قد كشفت عن قوة تحالف امتد من موسكو الى بيكين ماراً بطهران فدمشق وحتى الضاحية الجنوبية ببيروت . هذا المحور الذي ادار اللعبة بذكاء فل الحدة العدوانية واربك المعتدين ، كما ويكشف عن تصاعد للدورالروسي مؤداه التحالف لامجرد دواعي اعتراض على تهديد مصالح ، أويأتي في سياق مستوجبات استراتيجية فحسب ، كما يقول لنا بأن التوازنات المستجدة قد بدأت تفعل فعلها كونيا ً ، وإن بلادنا قد عادت ساحةً لمواجهاتها .

 

… ولأنها فاتحة تفاوض فحسب ، ولكون العدوان الأميركي على سورية ، وعلى الأمة العربية ، فعل قائم ومستمر ، قبل “الضربة” المهدد بها وبعدها ، فإن العدوان “الضربة” يظل هدفاً عدوانياً مطروحاً ، أي إنها وإن تراجعت احتمالات اقدامهم عليها تظل رهناً لسياق استراتيجي عدواني لم يزل … ولأن الكيان الصهيوني ، وإن خشي تداعياتها ، فهو يريدها وبدونها لم يكتم شعوره بالخسارة .

 

… صمدت سورية ، وستصمد ، ومجرد صمودها ، في ظل موازين قوة لازالت مختلة لصالح اعدائها ، هو إن لم يكن انتصاراً لها فهو بلا شك سبيلها المعبد اليه ويعادل الهزيمة المؤكدة للمعتدي.

 

المصدر: نشرة كنعان 

آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2013 13:22