الكيان الصهيوني وترسانته النووية
في خضم الحديث عن كيفية وضع “المبادرة الروسية” لنزع وتدمير أسلحة سوريا الكيماوية، عقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، اجتماعاً لها هو الأول منذ ثلاث سنوات . وفي هذا الاجتماع، طرحت المجموعة العربية مشروع قرار غير ملزم دعت فيه الكيان الصهيوني للانضمام إلى معاهدة لمنع انتشار الأسلحة الكيماوية، ووضع منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة .
ومنذ عقود يجري حديث حول ضرورة تحويل منطقة “الشرق الأوسط” إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، الكيماوية والبيولوجية والنووية . وعقدت اجتماعات كثيرة، وبذلت جهود كانت دائما تنتهي إلى الفشل بسبب الرفض “الإسرائيلي” لأي حديث يتعلق بالترسانة النووية بصورة خاصة، أو بأسلحة الدمار الشامل عموماً . وكان الدعم الأمريكي لهذا الرفض هو أقوى مصدر للقدرة “الإسرائيلية” على عرقلة أي مجهود يبذل في هذا المجال . وفي الوقت الذي كان الكيان الصهيوني يتعمد سياسة “الغموض النووي” إزاء ترسانته النووية، كان يضع شرط إزالة الأسلحة الكيماوية لدى بعض الأنظمة العربية قبل أي حديث يتعلق بترساناته .
وقبيل اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، كشف تقرير وضعه مكتب يوكيا أمانو، المدير العام للوكالة، أن مباحثات جرت، مع بعض الدول العربية ومع الكيان الصهيوني حول سبل إخلاء منطقة “الشرق الأوسط” من أسلحة الأسلحة النووية، لم تنجح في تضييق الخلافات “الإسرائيلية”- العربية . وجاء في التقرير أن رفض “إسرائيل” التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، أو الإفصاح عن مخزونها النووي، يقف وراء فشل الوكالة في مساعيها . لكن مسؤولين أمريكيين و”إسرائيليين” في محاولة لدفع التهمة عن أنفسهم، قالوا إن “إقامة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية لا يمكن أن يصبح حقيقة إذا لم يتحقق السلام، ولم تتراجع إيران عن برنامجها النووي”! يذكر أنه كان من المقرر أن يعقد في نهاية العام 2012 مؤتمر في هلسنكي لبحث نزع الأسلحة النووية في “الشرق الأوسط”، لكنه ألغي لأن الكيان الصهيوني رفض المشاركة فيه . وكانت الولايات المتحدة وراء إلغائه، معللة ذلك بأنه “لا يمكن عقد مؤتمر تجد دولة نفسها فيه معزولة”، والدولة المقصودة هي “إسرائيل”!
ومثلما رعت فرنسا إنشاء أول مفاعل نووي “إسرائيلي” في الخمسينات، رعت الولايات المتحدة بعد ذلك إبقاء الترسانة النووية “الإسرائيلية” بعيدة عن المساءلة أو الانتقاد، كما ساهمت في تطويرها وتوفير المال والخبرة اللازمين لذلك . وبينما تعلن واشنطن على لسان مبعوثها إلى الوكالة الدولية للطاقة النووية، جوزيف مكمانوس، أنها “ملتزمة بالعمل من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل”، يرسل إلى وكالة “رويترز” تعليقاً يتهم فيه مشروع القرار العربي بأنه “لا يدعم هذا الهدف المشترك”، وأن “مساعي عربية لتخصيص “إسرائيل” بالانتقاد بسبب ترسانتها النووية من شأنها أن تضر بالجهود الدبلوماسية لحظر أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط”! . حتى الانتقاد للسلوك “الإسرائيلي” لا تقبل ولا تسمح به الولايات المتحدة، فكيف ينتظر أن يكون موقفها من نزع الترسانة “الإسرائيلية”؟
ومن أجل مزيد من التضليل، امتلأت الصحف “الإسرائيلية” في الفترة الأخيرة، وتزامناً مع الهجمة الأمريكية على الأسلحة الكيماوية السورية، مقالات تحمل مواقف متناقضة من السياسة الأمريكية . فمن جهة، وجد هناك من رحب بالهجمة الأمريكية، وب “المبادرة الروسية” بعد ذلك، على أساس أن الدور الآن سيكون على إيران بعد سوريا . ومن جهة أخرى، كان هناك من حذر من أن الموقف الأمريكي إزاء أسلحة الدمار الشامل “الإسرائيلية” سيتغير، وستبدأ تطالب بإخضاعها لمعاهدة منع الانتشار .
وإذ عودتنا واشنطن أن تردد وتعيد ما تقوله تل أبيب في كل ما يتعلق بشؤون الأخيرة، تضع هذه شروطها التعجيزية قبل أن تقر أو تعترف بوجود أسلحة لديها، فتشترط “تحقيق السلام” و”إنهاء حالة الحرب” وتوفير شروط “بناء الثقة” مع دول المنطقة، كل ذلك من أجل توقيعها على المعاهدة! وليس من حاجة للدخول في تفاصيل ما تعنيه هذه العناوين العريضة التي يضعها “الإسرائيليون”، لكنها بالتلخيص تعني تحقيق كل المطالب والأطماع “الإسرائيلية”، ليس فقط في فلسطين، بل وفي الدول العربية والمنطقة أيضاً، وبما فيها ما يتعلق بإيران وبرنامجها النووي .
إن الحديث عن الترسانة النووية “الإسرائيلية” في الوقت الذي تسحب فيه كل الأسلحة العربية، يعيد طرح السؤال الدائم حول أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة، وحول جدية ما تقوله عن سعيها إلى تحقيق السلام فيها، وحيث يتأكد للمرة الألف بعد الألف أن جوهر السياسة الأمريكية لا يعدو كونه حماية الكيان الصهيوني، ودعمه بكل السبل، لتحقيق مشروعه الاستيطاني في فلسطين، وليبقى الوكيل الحصري لتنفيذ هذه السياسة الأمريكية تحديداً في المنطقة العربية، وذلك في إطار المحافظة على المصالح الأمريكية و”الإسرائيلية”، التي تبدو متداخلة على نحو عضوي لا يمكن معه فصل الواحدة عن الأخرى .
وبطبيعة الحال، هذه السياسة الأمريكية ليست جديدة علينا، بل كانت دائماً كما تبدو اليوم، منحازة لكل ما هو صهيوني، معادية لكل ما هو عربي . وعندما يقول الرئيس الأمريكي ويكرر أن “أمن “إسرائيل” مقدس”، فإنه يختصر تاريخاً طويلاً من الدعم والتأييد والمساعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية التي قدمتها، ولا تزال تقدمها الولايات المتحدة لهذا الكيان العدواني .