اللغة العربية واستعصاءات التطور العلمي
الاهتمام باللغة وتنشيطها ونحن نعيش اليوم فى زمن تحركه رياح العولمة وإزالة الحدود وتداخل الثقافات والحضارات المعاصرة، أجدها ضرورية. فخوف المهتمين من تأثير العولمة على «اللغة والتراث والهوية» مبرر وله مؤشرات واضحة فى عالم سريع التغير، فقد تطاولت الآلة والتكنولوجيا الحديثة على اللغة والتراث الفكرى، ما أوجد «أزمة اللغة العربية» التى تبدو للكثيرين مكبلة وجامدة، متخلفة فى الوصول للغة العلم والحداثة.
ظهر فى العقدين الأخيرين جدل حول اللغة العربية كناقل أمين للتراث الفكرى العربى ومكانتها فى التطور الحداثى واستعمالاتها فى المجتمع الذى يحمل فى ثناياه خصائص اللغة والقيم الاجتماعية والثقافية والاخلاقية والسياسية كأى لغة أخرى. وقد أخذ الكثيرون على اللغة العربية، انها اليوم أصبحت غير قادرة على مواكبة «عالم المعرفة»؛ ما جعل العرب فى مرتبة ضعيفة لا تقارن بما وصل اليه الغرب فى إنتاج المعرفة. ويستمر الجدل حول اللغة وتقانة المعلومات والذكاء الاصطناعى الذى يتعدى على اللغة ومكوناتها كأحدٍ حامل وناقلٍ للتراث. ولعل الرأى الذى يهتم باللغة العربية يخاف عليها من (الكمبيوتر) والكثير الجديد من الأدوات التكنولوجية، وأدوات التواصل الاجتماعى شديدة الوطأة هذه الأيام على الافراد والمجتمع.
«لغتنا الجميلة» اللغة العربية تتميّز بأنها تنبض بالإنسانية والعاطفة، فى زمن هذا العصر الذى يتكلم بلغة الأرقام والتعامل بها كلغة العصر للتواصل والتفاعل التى أصبحت لغة المؤسسات المالية، بالإضافة لوسائل الاتصال الجماهيرى الإعلامية التى تصنع الثقافة والمعرفة. «همشت» اللغة العربية فى زمن سريع التغير خلق فجوة فى كيفية استعمال اللغة واستغلالها أمام تحديات الحداثة المعاصرة، ولعل هذا يعود أيضا لغزارة دفئها بالمصطلحات الحضارية وعمقها التراثى من علم الكلام، والعلوم الفلسفية وعلوم المنطق والعلوم الطبيعية والطبية والهندسية والرياضية المنحدرة من (الرواد الاوائل) الذين تميزوا بالحكمة والتعقل.
انتقدت اللغة العربية، أنها لم تتمكن من تحديث الخطاب العربى، بالإضافة لتقوية مهارات الاتصال العصرية الواسعة بلغة سليمة لتقوية وتوليد المعرفة الحديثة وبشكل خاص فى العلوم الإنسانية الواسعة، فظاهرة الانتاج المعرفى تحث اليوم على انتاج وسائل مبتكرة لاستعمالها فى المعرفة باللغة العربية المناسبة لمواكبة تطورات العلوم الالكترونية المتسارعة التى فرضت نفسها على كل مناحى الحياة الواقعية والعملية اليوم.. ولعل البدء بها منذ المرحلة الأولى للتعليم فى المدرسة، بأسلوب حيويّ يحفز على الابداع من أجل الحياة والتطور لهو ما نحتاج له.
لغتنا الجميلة، التى نعتز بها بحاجة لمراجعة ما «يعقدها»ويسد طريقها للانطلاق، فكثير ممن يستعملونها يقفون مرارا للتأكد من نطق الهمزة أو إهمالها والتوقف عند الصرف والنحو طويلا، بالإضافة للضعف من استخدام الكمبيوتر من أجل إتقان اللغة بعدما أصبحت تشكو من العبث بها دون غيرة على جمالها، فاللغة العربية بجمالها لها منافذ ومصطلحات وأدوات للنهوض بها يجب البحث عنها وإنتاجها، ونحن نعيش فيما يسمى اليوم بمجتمع المعرفة، الذى يتنافس عليه العالم المتسابق على الإنتاج والإبداع فى العلوم، وبالقدر ذاته على مخرجاتها من علم وإبداع من أجل حياة أفضل على حسابنا، فلعلنا نصحو ونحن نسير فى لجة هذه الفوضى العالمية وغبار الحروب التى تحجب الرؤيا من المتسابقين الذين لا يعرفون اللغة العربية، ولكنهم يتقنون لغة المال والأرقام التى تنزع الصفات الإنسانية عن اللغة لتخلق الواقع الاليم الذى يستمر فى تهميش وقتل كل شىء وليس اللغة فقط.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني