رامبو السينما و«رامبوات» الشاشات الصغيرة
يا للهول! حدث في التاريخ ضمن ظلال التوازن الدولي القديم أن تُهزم الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً كان أشدّها في فيتنام، فما لبثت أن تحوّلت هذه الهزيمة إلى نصر على أيدي الكثيرين من السياسيين والعسكريين والمحللين والكتّاب، ليوظّف هذا الأمر مراوغةً في جوانب عدّة كالأدبيات والأفلام بهدف التمويه والتعتيم.
أحد هذه الجوانب كان السينما تحديداً ببطلها الشهير رامبو، والذي خلّف بعده أبطالاً أمريكيين لا يعدّوا ولا يحصوا، ترقيعاً لهذه الخسارة. رامبو هذا صُدّر على شاكلته الكثير حول العالم بالتحذلق ذاته.
واليوم - وفي ظلال التوازن الدولي الجديد الناشئ- يحدث أن تتراجع الولايات المتحدة وتنكفئ وتخسر ليس مرةً واحدة، بل مرات متوالية، وبدلائل الوقائع والأرقام، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، لتبدأ المؤشرات بخروج ليس رامبو آخر من جديد فحسب، وليس فقط على المستوى الفنّي أو السينمائي، بل جحافل من الـ«رامبوات» على المستويات كلها من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين، لتنكر وتدافع وتدّعي وتستغبي... وتطول وتتنوع قائمة المفردات هذه إلى ما شاء الله، والتي تشترك بمضمون واحد: رفض هذا الواقع المستعصي عليهم استيعابه، ومحاولة قلب عجلة التاريخ لتعود في الزمن إلى الخلف.
شتّان ما بين القديم والجديد
فرامبو القديم وباختصار، مُعترف من خلاله بالهزيمة رغم محاولات تصويرها وتسويقها على أنها نصرٌ عظيم.
أما رامبو الجديد فشرقاً وغرباً، وفي منطقتنا، يتحفنا أبواق التيار الفاشي وصغاره المرتبطون بمصالحهم معه بخزعبلاتهم ابتداءً من اتهام روسيا بالتلاعب في الانتخابات الأمريكية التي أوصلت ممثلي ما يعرف بتيار «الانكفاء» إلى إدارة البلاد، وصولاً إلى بعض الساسة العرب بتياراتهم المختلفة المعربين عن حزنهم من «العم سام» لعدم اكتراثه بالأزمة السورية، و«تفويض» روسيا بهذا الملف، مروراً بالحالمين الذين يشبّهون الولايات المتحدة بـ«السهم... تتراجع لتنطلق من جديد»، إلا أن هؤلاء «صِغار البلهاء» لا يعلمون أنهم أنفسهم أهداف لهذا السهم، نتيجةً لانقسام القوس نفسه.
إن مشكلتهم اليوم ما بين رامبو القديم والجديد الناشئ؛ هي أن سياسة الترقيع الإعلامية والسياسية هذه لن تفلح، بل في الحقيقة باتت كوميديا ومهزلة، بسبب التناقض ما بين تبريرات التراجع هذا، مع واقعه ومفرزاته على العلاقات الدولية وملفاتها.
من الأكشن إلى ...؟
كمثالٍ على ما ذكرناه آنفاً، عندما كنّا نقرأ في صحفٍ عدة مقالات بعض الكتّاب السياسيين حول الأزمة السورية تكاد عيوننا تغرق في الدموع من جرعة «الدراما المشروخة» التي نتعرض لها، لتباكيهم لا على الكارثة الإنسانية، بل على مصالحهم فيها، والتي كانت أحد الأسباب في إطالة عمرها هو هذه المقالات المحشوة بمحاولات العرقلة والتسويف على أيّ حل لا يضمن مصالحهم الضيقة.
أما اليوم، فتكاد الدموعُ تنفجر من مُقَلِ عيوننا، بسبب جرعات الكوميديا الموجودة هنا وهناك في تحليلات البعض عن الوضع الدولي في ظل التراجع الأمريكي وما يخصّ الأزمة السورية منه، وكأن الولايات المتحدة قوة خارقة لقوانين الطبيعة باقية إلى الأزل..!
لا أحد ولا شيء يبقى للأبد
لا قائدٌ، ولا تيار، ولا حزب، ولا قوة عظمى، تبقى للأبد... كلٌ له دورٌ في التاريخ وينتهي بعد حين... نعم، بهذه البساطة.
ولكم أن تتخيلوا كيف أن هذه البساطة لا يستطيع البعض قراءتها ويرفضها من المتشددين هنا وهناك.
وبهذه البساطة أيضاً، يتصنّم و«يتجمد» هؤلاء المتشددين الصغار فكرياً وسياسياً إلى أن ينهاروا بانهيار الفاشي الكبير، ضربةً تلو ضربة، خاسرين معه كل شيء، فإنه جرس التغيير، الذي يعتقدون أنه وبمجرد أن وضعوا قطناً في آذانهم، سيتوقف عن القرع..!