يا عمّال المدينة الرقميين... اتحدوا!
بينما يصبح استخدام هذه التطبيقات جزءاً من تحركنا اليومي في أنحاء المدينة، فنحن نؤدي نوعاً من "العمالة الرقمية" التي تولّد كمّاً هائلاً من الأرباح للشركات
كِرت إيفسون كِرت إيفسون

يا عمّال المدينة الرقميين... اتحدوا!

باتت الهواتف الذكية وتطبيقاتها، بالنسبة للكثيرين من المدينيين، أدوات أساسية في الحياة اليومية.

تعريب وإعداد: عروة درويش
خلال العقد الذي أصبحت فيه الهواتف الذكية شائعة، اعتاد الكثيرون على الاستعانة بالتطبيقات في هواتفهم من أجل اكتشاف طرقات المدينة، ومن أجل لقاء أصدقاء وأحباب محتملين، ومن أجل مشاركة الأشياء أو الأفكار أو الصور، ومن أجل اللعب، ومن أجل الكثير من الأشياء الأخرى.
قد يبدو بأنّ هذه التطبيقات تعمل لأجلنا، بحيث تحسّن من تجاربنا المدينية. لكنني أظن أنّ صياغة الأمر على هذه الصورة أمرٌ خاطئ، أو أنّ هذه الصورة تخبر نصف القصّة فقط في أفضل الأحوال. فنحن أيضاً نعمل لصالح التطبيقات.
فبينما يصبح استخدام هذه التطبيقات جزءاً من تحركنا اليومي في أنحاء المدينة، فنحن نؤدي نوعاً من "العمالة الرقمية" التي تولّد كمّاً هائلاً من الأرباح للشركات التي تصنع هذه التطبيقات. يجب أن يتضمّن "الحق في المدينة" في أوقاتنا وأماكننا المتصلة رقمياً، تحليلاً لاستغلال عمالتنا الرقمية، واستراتيجيةً لإضفاء الطابع الديمقراطي على الفائض الذي تولّده.

الحياة المدنية والعمالة الرقمية
تبدو فكرة أننا، وبينما نستخدم تطبيقات الهاتف، نشكّل نوعاً من «العمالة الرقمية» منافية للعقل في البدء. عندما نستخدم هذه التطبيقات، ألسنا مجرّد مستهلكين لمنتجاتٍ صنعها أحدٌ آخر؟ هذا بالتأكيد جزء ممّا يجري هنا. لكن إن فكرنا بنموذج الأعمال الذي يعتمده الناس الذين يملكون هذه التطبيقات، فستبدو فكرة أننا لسنا فقط مستهلكين، بل "عمّال رقميون" أيضاً، أكثر منطقية.
الكثير من التطبيقات التي يعتمد عليها السكّان المدينيون هي «مجانية»، لكنّ مالكي التطبيقات لا يمنحونا إيّاها مدفوعين بطيبة قلوبهم. السبب الذي يدفع صانعيها أن يتخلوا عنها مقابل ثمن زهيد أو دون ثمن هو إمكانية جني المال منها عبر طريق آخر. إذاً، كيف يجنون المال؟
وضع بعض الإعلانات هو بالتأكيد أحد "أثمان" استخدام هذه التطبيقات التي تعتمد على أرباح الإعلانات في جنيها للمال. لكنّ التطبيقات التي نستخدمها أثناء تجوالنا في المدينة مصمّمة بشكل متكرر أيضاً كي تجمع المعلومات عن تحركاتنا. تشكّل تلك المعلومات عن نمط نشاطنا في المدينة، والمشار إليها عادة بصيغة «الموقع» و«المكان الجغرافي»، منجم ذهبٍ لمالكي التطبيقات. فهي تباع إلى طرف ثالث، والذي يقوم بدوره بتحليل المعلومات لأجل غايات متنوعة تمتدّ من تقديم خدمات تجارية إضافية، إلى الاستهداف بالدعاية والأمن.
يصعب بشكل هائل الاستعلام بوضوح عن أسواق المعلومات هذه وعن قيمتها، لكن يمكننا استشعار القيمة التي أصبحت عليها هذه المعلومات الجغرافية من خلال النظر إلى الطريقة التي تقيّم فيها هذه الأسواق التطبيقات التي تجمع هذه المعلومات. على سبيل المثال: تطبيق تحديد الموقع الملاحي «ويز Waze»، والذي يعمل من خلال جمع ومشاركة المعلومات حول حركة مستخدميه في شبكة الطرق. بيعَ التطبيق إلى "غوغل" عام 2013 مقابل رقم مصرّح به يبلغ 1.3 مليار دولار. دُفع هذا الثمن الهائل مقابل تطبيق «مجاني» التحميل والاستخدام. هؤلاء الذين يتجولون في المدينة يعملون أيضاً لصالح مالكي التطبيق، فهم ينتجون المعلومات التي تسمح لهم ببيعه بمثل هذا الثمن المرتفع.
"ويز" هو أحد التطبيقات الكثيرة الشائعة التي تعمل على تجنيدنا بشكل واعٍ أو غير واعٍ لإنتاج المعلومات. تصبح حياتنا اليومية خارج «أماكن العمل»، أثناء استخدامنا لهذه التطبيقات، أحد أنواع العمالة. تلعب مثل هذه العمالة دوراً أساسياً في توليد قيمة سوقية هائلة لمثل هذه التطبيقات. وكما يصوغ محلل الإعلام الرقمي «تريبور شولز» الأمر: «دون أن يتمّ تمييزك كعامل، فإنّ موقعنا ومساهمتنا وتعقّب حركتنا، أصبحت أصولاً يمكن تحويلها إلى قيمة اقتصادية».

القيام بإجراءات بخصوص العمالة الرقمية
بافتراض أنّ استخدامنا للهواتف الذكية وتطبيقاتها قد أصبحت نوعاً من العمالة الرقمية، فماذا يجب علينا أن نفعل حيالها؟
تدور غالبية النقاشات حول حقوقنا في المدينة المعلوماتية بالنظر إلى كوننا مستهلكين. يُبرز هذا النهج مسائل مهمّة مثل حماية الخصوصية وشروط الخدمة المرتبطة بتطبيقات محددة.
تضيف وجهة نظر العمالة الرقمية شيئاً لهذه النقاشات حول حقوقنا كمستهلكين. إنّها تلفت نظرنا إلى مسائل أخرى أساسية للسياسة والاقتصاد السياسي في المدينة المعلوماتية، وتتعلّق بحقوقنا كمنتجين.
وكما يصوغ الجغرافي، ديفيد هارفي الأمر، فإنّ المعركة من أجل حقوقنا في المدينة يجب أن تكون معركة من أجل «سيطرة ديمقراطية أكبر على الإنتاج واستخدام الفائض». إن كان الاستخدام اليومي لتطبيقات الهاتف ينتج معلومات تشكّل المصدر لفائض هائل، إذاً علينا أن نجد طريقة لدمقرطة هذا الفائض من أجل جعل مدننا أكثر مساواة وعدلاً.
لم يتمّ الاعتراف بحقوق العمّال في تشكيل ظروف عملهم وبإضفاء الطابع الاجتماعي على منتجاته دون كفاح أبداً. وفي حين أنّ هذا صراعٌ لأجل عصرنا، فربّما هناك دروسٌ من الماضي كي ترشدنا.
سنحتاج لتطوير طرقٍ جديدة للتأكيد على حقوقنا الجماعية كعمّال (بالتزامن مع حقوقنا الفردية كمستهلكين). نحن نشهد ولادة أنواعٍ جديدة من التنظيم في هذه المسائل. إن كانت النقابات تقدّم لنا نموذجاً تاريخياً عن كيفية عمل العمّال مع بعضهم البعض من أجل سنّ وحماية حقوقهم، فكيف لنا أن نوائم هذا النموذج بشكل فاعل مع وضعنا الحالي؟ منذ بضعة أعوام، جذبت محاولة لإنشاء نقابة لمستخدمي «فيسبوك» بعض التغطية الإعلامية، لكنّها لم تنجح. ما هي الاستراتيجيات الجديدة التي قد نختبرها لجمع العمّال الرقميين؟
سنحتاج أيضاً لإيجاد طرق أكثر فاعلية في تجميع وإعادة توزيع الأرباح التي يصنعها العمّال. استخدمت الحركات العمّالية في الماضي ضرائب قديمة الطراز لتحقيق غايتها. سيشكّل طرح مطالب جديدة بشأن الضرائب تحدياً، لكنّه تحدٍ يستحق المتابعة بالنظر إلى أنّ الكثير جدّاً من الشركات الرقمية العالمية الحذقة تتربّح من عمالتنا دون أن تدفع تكاليف ذلك بشكل عادل.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني