2254 ضمانة الحل
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة في سورية، وحين علت أصوات الرصاص، تمترس المتشددون في كلا الطرفين حول مواقفهما الداعية إما إلى «الحسم» أو إلى «الإسقاط»، حيث ضج الإعلام هنا وهناك بأخبار عاجلة من قبيل: «سيطرة قوى مسلحة معارضة على مواقع لجيش النظام»، أو «انتصار جديد حققته قواتنا ضد إرهابيي داعش والنصرة». حيث صبغ الطابع العام للأزمة السورية ككل بطابع عسكري، فبدا للمتابع العادي بأنه لا حل للأزمة سوى الحل العسكري.
وُجدت في تلك الفترة نفسها قوى سياسية وطنية دعت لإخماد صوت الحرب والتوجه نحو حلول سياسية وتفاهمات تخرج البلاد من درك الأزمة التي وصلنا إليها. ولكن صوت القوى المتشددة كان يعلو يوماً بعد يوم، مستندة إلى حقيقة أنه لا حلول سياسية مع الإرهاب، لكنها تناست وتجاهلت أن قوى الإرهاب هذه مدعومة وممولة من العديد من الدول الإقليمية والدولية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكي يتم القضاء على هذه القوى لا بدّ من قطع التمويل عنها، أي قطعها من الجذور، وقد أثبتت الحقائق أنه لا يمكن حدوث ذلك دون حلول سياسية ليس معها، بل من خلال إجبار داعميها على وقف دعمهم هذا.
كان للميزان الدولي الجديد الذي تثبت بعد الفيتو الروسي- الصيني المشترك، دوراً كبيراً في دعم خيار الحل السياسي كحل وحيد للأزمة السورية. حيث فرضت القوى الصاعدة في العالم الجديد موقفها الداعي لإيجاد سبل جدية للتخلص من الإرهاب، ابتداءً من الدخول الروسي العسكري في 2015، والذي لوحظت بعده آثار جدية لانحسار «داعش» من المنطقة – آثار لم تلحظ أثناء قصف قوات «التحالف الدولي» الذي كان يدّعي محاربته لـ«داعش»- مروراً بالاتفاقات الدولية والمباحثات بين روسيا والولايات المتحدة، والجهود الحثيثة من قبل روسيا من أجل فرز المسلحين عن القوى الإرهابية، كذلك تفعيل ملف المصالحات الوطنية، وليس انتهاءً بمسار «آستانا» الداعمة لمسار «جنيف» والتي تم خلالها إجراء عمليات تهدئة جدية وبالملموس، عبر إقرار مناطق خفض التوتر التي ساهمت بتجميع القوات من أجل تحرير المناطق المحاصرة، وهذا ما انعكس في مجريات المعركة التي نشهدها اليوم في دير الزور.
ومما سبق يتضح جلياً أن الانتصارات العسكرية ماهي إلا انعكاس للانتصارات السياسية، فالميزان الدولي الذي تتراجع فيه قوى الحرب يوماً بعد يوم، قد لعب دوراً حثيثاً ليس في تثبيت الحلول السياسية فحسب، بل في استثمارها لتهدئة الوضع عسكرياً. وعلى اعتبار أنه لا يجوز بحال من الأحوال إجراء فصل ميكانيكي بين العسكري والسياسي، فإنه من الواجب الوطني اليوم استثمار هذه التقدمات العسكرية سياسياً، وصولاً لتنفيذ القرار الدولي 2254 والضامن لوحدة سورية أرضاً وشعباً.