ما هي النيوليبرالية؟
يمكن لأقلّ من 1% من الناس أن يخبروك عن النيوليبرالية بشكل دقيق، ولكنّهم يعلمون بحدسهم بأنّها شيء سيء
تعريب: عروة درويش
عندما لا أكتب النكات حول موت الكوكب بالتسخين، فهنالك شيئان فقط يدوران ببالي. الأول: إنّ كلّ مشكلة تواجهها البشريّة في الوقت الراهن سببها هو النيوليبراليّة. الثاني: لا أحد يعلم تقريباً ما هي هذه النيوليبرالية.
هذا غريب، أليس كذلك؟ إنّ النيوليبرالية هي النظام الذي نعيش في ظلّه، ورغم ذلك فإن نزلت إلى الشارع وسألت عن ماهيّة النيوليبرالية فستواجه من يقول لك: «توقّف عن إزعاج الزبائن»، أو «لماذا تصرّ على إزعاج سكينتي؟».
إنّ الخروج بتعريف صلب هو أمرٌ صعب. إنّ جميع الناس القلائل الذين يعلمون ما هي النيوليبرالية (وافترض بأنّك أحدهم طالما أنّك تحتمل قراءة مقالاتي. أو أنّك ربّما مثلي تقرأ وتتمنّى ألّا يحرجك أحد بسؤالك عن مغزى ما قرأت)، يوافقون على تحديد سماتها: السوق المفتوحة والخصخصة وتقليص دور الدولة وتخفيض الضرائب وتقليل التشريعات واستبدال المدارس والمشافي ببارات الشامبانيا... إلخ.
لكن إن سألت الناس عن تعريف النيوليبراليّة، فستحصل على آلاف الأجوبة المختلفة. مثال: سوف يخبرك أحد النقّاد بأنّه في ظلّ النيوليبرالية، فإنّ قيمة الأشياء يحددها ما تجنيه من أموال وحسب. إن أخذنا هذا التعريف، فسيكون برنامجي الكوميدي هو أقلّ الأشياء نيوليبراليّة التي وجدت على الإطلاق.
وعلى النقيض من ذلك، فسيقول المدافعون عن النيوليبراليّة: «السوق المفتوحة أكثر فاعلية» أو «الدولة عبء». سيقولون أيّ شيء يجعلهم لا يعترفون بأنّهم يحبون مشاهدة الكثير من الأفلام السينمائيّة الخياليّة الرقمية التي تهلل لخصخصة قوات الشرطة، والذين لا يشعرون بأنّ هذا الأمر هو تحذير خطير، بل رؤية لمستقبل مشرق.
إذاً من علينا أن نصدّق من بين هؤلاء؟ ربّما علينا أن نصدّق صديقتي التي تعتقد بأنّها تعني «الاحترام الجديد»، حيث أنّ الليبرالية تعني التحرر ولهذا فقد ربطتها بشكل منطقي بانفتاح الذهن. ربّما هذا سيذكّر بعضاً منّا بالمسؤولين في بلادهم وهم يتحدثون عن النيوليبرالية.
لكن من يمكنه لومها؟ حتّى النيوليبراليين يتفادون استخدام الكلمة لأنّهم يدعون بأنّ الناس يستخدمونها كإهانة في هذه الأيام. كم يعجبني هذا الأمر، فالكلمة ذاتها التي تستخدم للدلالة على منظومة من المعتقدات، هي ذاتها التي تستخدم بذات الوقت لإهانة هذا المعتقد. هذه هي الفاعلية التي لا يمكن لغير السوق أن يحلم بتحقيقها.
يصدف أنّ عدم استخدام الكلمة لأنّ لا أحد يفهم معناها الحقيقي يناسب النيوليبراليين، فهذا يجعل الأمر أسهل على سياسيينا أن يتصرفوا حيال أزماتنا: التهرّب الضريبي العالمي والتغيّر المناخي والانهيار المالي عام 2008 وخصخصة قطّاع الصحة وندرة فرص العمل والتخلي عن المجتمعات المحلية وازدهار النزعات القومية في هذه الظروف، كما لو أنّها أشياء هامشيّة أو شاذّة بطبيعتها، وليست أمراً متأصلاً بكليته في النيوليبراليّة. يشبه الأمر ادعائي بأنّ تأخري وكسلي هو أمر شاذ، بدلاً من إقراري بأنّه يعود لإمضائي الليلة وأنا ألعب لعبة ماريو.
ولكنّ الأمر المفرح هو أنّ العالم يتجه نحو اليسار (مثال: أكثر من 12.800,000 من البريطانيين قد صوتوا مؤخراً لصالح البيان اليساري دون نقاش)، وهذا يعني بأنّه وعلى الرغم من عدم قدرة الناس على تحديد النيوليبرالية بدقة، فإنّهم يستطيعون بحسّهم السليم أن يعلموا بأنّ هنالك خطأ يجب تصحيحه. إنّهم يعلمون بأنّ تخزين مبلغ 32 ترليون دولار في الجنان الضريبية، بينما يتم عرض خدماتنا العامة للبيع لمن يدفع أكثر، وهو ما يؤدي إلى الكوارث، أمرٌ خاطئ. قد لا يعرف الناس الكلمات التقنية، ولكنهم يعرفون الإجابات. إنّها الأعوام الأخيرة للنيوليبرالية يا أصدقائي. لقد حان وقت تأميمها.