لا تتورطوا بالوعود الأمريكية
نظرية الماركسية اللينينية كأحد أبرز العلوم الاجتماعية في العالم تؤكد على حق الشعوب المضطهدة أن تمارس جميع أشكال النضال، لا في سبيل تحررها ورفع الظلم عن كاهلها وحسب، بل حقها أيضاً بالانفصال المشروع عن دولتها الوطنية وبناء كيانها المستقل ومؤسساتها الخاصة بها إذا توفرت جميع المقومات الضرورية لذلك، وإذا استطاعت إليه سبيلاً بقواها الوطنية الذاتية.
قال لينين ما معناه أن المحافظة على الحكم أصعب بكثير من النضالات التي قدمت في سبيل تحقيقه.
إن الشعب الكردي عانى مرارة التمييز العنصري والاضطهاد القومي سنوات طوال، صابراً على مضض على حقه المشروع بأن ينفض عن كاهله جور وقساوة العلاقات اللاإنسانية السابقة ويحلم بشعور المساواة مع الآخرين لنيل جميع حقوقه القومية المشروعة.
لقد جاء طرح شعار الفدرالية الكردية في الجزيرة من بعض الفصائل كرد فعل طبيعي ضد سياسة التمييز التي مورست ضد الأكراد.
لكن لنتساءل بروية بعيداً عن العواطف والرغبات والأمنيات: هل تتوفر في محافظة الجزيرة السورية جميع المقومات الضرورية لبناء كيان فدرالي وهي محصورة بين ثلاث دول سورية وتركيا والعراق التي تعادي قيام مثل هذا الكيان؟؟
طبعاً كلا
إذاً لم يبقى لدى المصرين على طرح هذا الشعار إلا الاعتماد على الوعود الأمريكية المعروفة على نطاق عالمي بأنها عرضةً للمساومة عليها والتخلي عنها لقاء مصالح ومكتسبات.
ثمة قول معروف هو بمثابة مبدأ ثابت لجميع الحكومات الأمريكية، يقول لا يوجد صداقة دائمة أو عداوة دائمة بل يوجد مصلحة دائمة.
ولعل انقلاب امريكا على تحالفها مع الملا مصطفى البرزاني خير دليل ومثال للشعب الكردي كي لا يلدغ من نفس الجحر مرتين .
لقد ساومت الحكومة الأمريكية على تحالفها مع القائد البرازاني وتخلت عنه في أشد الظروف صعوبةً لأجل مصالحها .
وعندما سأل القائد البرازاني أمريكا عن السبب؟ أجابه ثغلب وزارة الخارجية الأمريكية كيسنجر أن أمريكا دوله عظمى لها مصالحها الخاصة التي لا تتخلى عنها وهي ليست جمعية خيرية .
وقبل أيام كتب الدبلوماسي الأمريكي المعروف روبرت فورد آخر سفير أمريكي في سورية مقالاً ورد فيه تنبيه للأكراد بألا يثقوا بوعود أمريكا لأنها قد تتخلى عنهم بالمساومة عليهم في أية لحظة من أجل مصالحها، وأنها لا يمكن أن تحارب سورية إلى جانبها ونصحهم بالتفاوض مع الحكومة السورية.
أخشى ما أخشاه أن يستمر طارحو شعار الفدرالية تعلقاً بالوعود الأمريكية ويسيرون به إلى الأمام التي من شأنها أن تؤدي إلى صراع مسلح مرير يسبب للشعب الكردي الطيب المسالم مأسي كارثية هو في غنى عنها، فالحكمة تستوجب التوصل العميق قبل الانسياق وراء العاطفة التي قد تقود إلى التهور والندم بعد فوات الأوان.