زعيم الـ CIA يترك «السلك».. ويتفرغ للفن!
أدلى جون برينان، رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، بجملة من التصريحات الجديدة بخصوص سورية، وهي تصريحات تستحق فعلاً الوقوف عندها. جرى ذلك يوم السبت الماضي 30 تموز، في اللقاء السنوي لمنتدى أسبين الأمني الذي يستضيفه معهد «ASPEN» الذي تأسس عام 1950 كأحد المؤسسات البحثية التي جرى توظيفها لمصلحة الولايات المتحدة في إطار «الحرب الباردة».
في اللقاء، فتح برينان كتابه الأسود وقرأ جهاراً أمام الصحفيين! فإحدى ميزات الـ CIA والمؤسسات التي تشبهها، أنها تقول ما لا يقوله الدبلوماسيون الأميركيون، ولا يعني ذلك أنها تقول الحقيقة كاملة، ولكنها تعكس جزئياً ما يجول في خاطر الإدارة الأمريكية، والشركات الكبرى التي تدير تلك الإدارة، ولذلك فإنّ تتبع تصريحات المستر برينان وأشباهه مسألة ضرورية في سياق فهم التوجهات العامة لواشنطن..
في حديثه الأخير، يقول برينان أنه «غير متفائل بشأن مستقبل سورية». أتبع ذلك بأنّه لا يعرف إذا كان يمكن أو لا يمكن «عودة سورية موحدة مرة أخرى» وأضاف: «لا أعلم إذا كان من الممكن أن يكون هنالك نوع ما من النظام الكونفدرالي، الذي يسمح بأن تتولى كل طائفة دور القيادة في حكم حصتها من البلاد».. «قمنا بالنظر إلى مختلف المناطق لمعرفة أيها قادر على التعويل على الذات، وأيها بحاجة إلى مساعدة خارجية»..
لبرينان كامل الحق بألا يكون متفائلاً حيال مستقبل سورية، التي يجهل أو يتجاهل ماضيها كما أشرنا في مادة سابقة، فالقلق الذي يعبر عنه بما يتعلق بوحدة سورية المستقبلية، هو قلق مشروع تماماً.. فما يقلق السيد جون هو بالضبط حقيقة أنّ سورية التي كان من المخطط لها أمريكياً، وفي إطار «الشرق الأوسط الجديد/ الكبير ..وإلخ»، أن تنتهي إلى عدة دويلات طائفية وقومية، لن تنتهي هذا المنتهى!
الطريقة الصحيحة لقراءة ما قاله برينان، هي بإعادة ترتيب كلامه وتصريحاته ضمن اللقاء نفسه، لتصبح كالتالي: «قمنا بالنظر إلى مختلف المناطق (الطوائف) لمعرفة أيها قادر على التعويل على الذات، وأيها بحاجة إلى مساعدة خارجية»، وهذه عملية جرت منذ زمن بعيد ووضعت ضمن خرائط «الشرق الأوسط» المختلفة، ولكن «نحن» اليوم قلقون حيال مستقبل سورية لأننا لا نعلم إذا كان بإمكاننا تنفيذ مشروعنا في تقسيم سورية.. وباستخدام مفردات جون نفسها: «لا أعلم إذا كان من الممكن أن يكون هنالك نوع ما من النظام الكونفدرالي، الذي يسمح بأن تتولى كل طائفة دور القيادة في حكم حصتها من البلاد»
ما يعبر عنه برينان بوصفه قلقاً، هو بالضبط القناعة بحقيقة أنّ الطريق إلى تقسيم سورية والمنطقة قد تم قطعه بشكل نهائي، ولكن أصول الكلام السياسي تمنع المستر جون من الاعتراف بالفشل بشكل فج ومباشر..
بكل الأحوال، فإنّ «صراحة» برينان، وإن كانت ملتبسة قليلاً، إلّا أنها شيقة وتستحق المتابعة، لأنّ واقع التراجع الأمريكي ربما يجعل من «ترامب الكوميدي» نموذجاً سائداً في السياسة الأمريكية خلال السنوات القليلة القادمة، والمستر جون خطا خطوات جيدة حتى الآن على الطريق باتجاه «هوليوود كوميدي»، وبقليل من التشجيع والمثابرة سيترك «السلك» ويتفرغ للفن.. خاصة وأن وكالة استخبارات «مركزية» في بلد مرشح للتفتت، ستكون نافلة لا عمل لها..