فلنرفع القبعة للمستر جون مدير CIA!
من يقرأ حديث جون برينان، مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA، الذي نشرته شركة «ياهو»، اليوم الخميس 14/ تموز، والذي عبّر فيه عن «ارتيابه في قدرة واشنطن على فهم الشرق الأوسط»، لا بد سيرتاب، لا بقدرة واشنطن وحدها، بل وأيضاً بقدرة برينان نفسه، على فهم العالم الذي يعيش فيه، والذي –ودون أدنى شك- يصعب تفسيره بأفلام هوليوود وأبطالها الخارقين الذين من طراز المستر جون..
يستند المستر في حديثه عن «عدم فهم واشنطن للشرق الأوسط»، على فكرة مفادها أنّ واشنطن إذ تحاول نشر الديمقراطية شرق المتوسط، فإنّ ما يفوتها هو أن مجتمعات هذه المنطقة هي بطبيعتها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية، وأنّه «قبل جيلين فقط، بل حتى جيل واحد، كانت هذه مجتمعات رُحّل، ذات تقاليد راسخة الجذور في الثقافة، ونظرة ريفية إلى العالم»!
مشروع وأهداف «نشر الديمقراطية الأمريكية» وتجلياته الأفغانية والعراقية والليبية وغيرها، ليست محل نقاش بالنسبة لأي عاقل، لكن ما ينبغي الانتباه إليه، وبعيداً عن وقاحة المستر جون، هو أن جوهر حديثه هذا ليس سوى التفافاً الغرض منه هو القول: «مشروعنا فشل.. وينبغي صرف النظر عن منطقة الشرق الأوسط».. وفي هذه النقطة تحديداً يستحق المستر جون أن نرفع له القبعة لفهمه أن أمريكا ماضية في تراجعها قدماً، وإن كانت عجرفته تشير إلى عدم استيعابه بأي سرعة كارثية يجري هذا التراجع.
على ضفة أخرى، وربما على الضفة نفسها ولكن قبل الرمال بقليل وبين الطحالب، تظهر بروباغاندا الأنظمة السائدة في منطقتنا بوصفها تكراراً ببغائياً لدوغما المستر جون، فشعوب منطقتنا هي: «شعوب متخلفة ولا تليق بها، لا حرية ولا ديمقراطية»، ولكن «الأسود يليق بها»، الأسود الذي صُبغت به أيامها ولياليها على يد الأمريكان ونظام نهبهم العالمي وتفرعاته، والتي تمثل النظم الاقتصادية السائدة في بلداننا جزءاً منه.. وإن كان للتاريخ مساوئ كثيرة، فإنّ له أيضاً حسناته الكبرى، وعلى رأسها أنّه بسيره المستمر إلى الأمام، سيضع واشنطن، وفروع واشنطن، في المكان المناسب لها تماماً..