العسكرة اليابانية.. الحرائق الأمريكية «تتجه شرقاً»..!
على الخط نفسه، يسير التصعيد العسكري الأمريكي في شرق آسيا، وضد الصين تحديداً، مع ارتفاع النزعة العسكرية اليابانية التي انقلبت على دستورها السلمي، لترتفع المخاوف الآسيوية من تفشي ظاهرة فاشية جديدة في شرق القارة، وسط توقع الخبراء أن يكون «هتلر الأسيوي» ياباني الجنسية..!
يوم 19 أيلول الماضي، نشرت صحيفة «أساهي شيمبون» اليابانية البيان الصادر عن وزارة الخارجية الصينية، ومفاده أن «الحشد العسكر الياباني، والتغييرات الجذرية نحو السياسات العسكرية والأمنية في الآونة الأخيرة هناك، هي خطوة بعكس اتجاه السلام والتنمية والتعاون، مما يدفع المجتمع الدولي للتساؤل ما إذا كانت اليابان ستسقط سياساتها الدفاعية حصراً، وتحيد عن طريق التنمية السلمية الذي انتهجته بعد الحرب العالمية الثانية».
تأييد الكلام الصيني هذا جاء من طرف غير متوقع: كوريا الجنوبية(!) التي كررت مشاعر بكين ذاتها حين رصدت: «يتعين على اليابان أن تلتزم بحزم بروح الدستور السلمي التي حافظت عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن تنفذ سياساتها الدفاعية بشفافية، بحيث تساهم في السلام والاستقرار في المنطقة».
هاتان الدولتان- على الرغم من اختلافهما بشكل ملحوظ في السياستين الداخلية والدولية- عانتا سوية وبشكل مروع، من الغزو والاحتلال الياباني في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. وعليه، فإن مخاوفهما من العسكرة اليابانية المتنامية هي أبعد ما تكون عن الوهمية. ومن ذلك، يمكن الاستنتاج لماذا تسعى هاتان الدولتان إلى محاربة أي تشريع من شأنه أن يعيد اليابان إلى أيام العسكرة التي كان يعتريها جهد واسع النطاق لتدمير الدول الأخرى.
«نبذ الحرب» وعكسه
تنص المادة التاسعة من الدستور الياباني، الذي جرى اعتماده تحت الوصاية الأمريكية عام 1947، بشكل واضح على أن «الشعب الياباني ينبذ الحرب للأبد، كحق سيادي للأمة، وكذلك التهديد باستعمال القوة أو استعمالها كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية»، بكل وضوح، تشير هذه المادة إلى الفترة التي اضطرت فيها الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب العالمية الثانية بشكل جدي ولو متأخر. وكانت هذه المادة مثاراً للإعجاب، لكن، وكما هو الحال مع الكثير من الإقرارات المعنوية، تعرضت المادة للتعديل عندما أصبحت غير مريحة لليابان في الدرجة الأولى، ولمن أجبرها على هذه المادة في المقام الأول.
خلال الحرب الكورية التي اندلعت بين عامي 1950- 1953، شجعت الولايات المتحدة اليابان على تشكيل «قوات السلامة الوطنية» المكونة من 100.000 من الأفراد النظاميين المسلحين، الذين أعادوا القوات البرية والبحرية والجوية تحت مسمى «قوات الدفاع الذاتي الياباني- JSDF»، التي امتلكت كل شيء إلا اسمها.
وكما لم يهدد أحد اليابان في ذلك الوقت، لم يهددها أحد اليوم. وهذا ما يجعل من المثير للاهتمام امتلاك «قوات الدفاع الذاتي» أكثر من 150.000 جندي مجهزاً بـ700 دبابة، و3000 مركبة مدرعة أخرى، و100 حوامة هجومية.
وعلاوة على ذلك، فمن المشكوك فيه إن كانت اليابان قد استجابت تماماً للامتناع عن اللجوء إلى أي «حرب محتملة» وهي التي تمتلك 50.000 منظومة بحرية تشغل 120 سفينة، بما في ذلك 16 غواصة هجوم، و4 حاملات طائرات هليكوبتر، و8 مدمرات صواريخ موجهة، و30 مدمرة أخرى مسلحة تسليحاً جيداً.
وبالمثل، فإن التعهد الرسمي بـ«نبذ الحرب، كحق سيادي للأمة» لا يمكن أن يستوي بوجود القوات الجوية التابعة إلى «قوات الدفاع الذاتي»، التي تملك 800 طائرة، بما في ذلك 130 طائرة هجومية متعددة المهام، و150 مقاتلة جوية متفوقة، مع وجود أمر بإدخال 42 مقاتلة شبح «F-35A» الجديدة والمكلفة بشكل فاقع.
الصين: الهدف الاستراتيجي
يشير بعض المعلقين على حجم وقدرات القوات العسكرية اليابانية إلى أن مشروع القوة اليابانية ليس عملياً، بالنظر إلى عدم وجود قاذفات أو صواريخ بعيدة المدى، وعدم وجود أسلحة نووية كذلك. هذه هي الحقيقة، لكن الحقيقة أيضاً أن هذه القدرات الهجومية، بما فيها الأسلحة النووية، يمكن أن تنتج بكميات كبيرة في اليابان في غضون ثلاث سنوات على الأكثر من موعد اتخاذها للقرار، إذ Yن إنتاج القنابل والرؤوس الحربية النووية يستغرق عاماً في الخارج، ولذلك، فإن التطوير المتزامن لنظم التسليم من شأنه أن يكون سريعاً.
في هذه الفترة، يجري تداول موضوع القدرة اليابانية على رفع الإمكانات العسكرية في الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية، حيث أشار تقرير شبكة «BBC» الأمريكية أن «قوات الدفاع الذاتي اليابانية لديها القدرة لتصبح قوة قتالية هائلة، وواحد من الأسباب، هو التركيز التقليدي على تماسك المجموعة، والتخطيط الدقيق، والاهتمام بالتفاصيل، وهذا له أهمية خاصة في البيئة العسكرية المعتمدة على التكنولوجيا الفائقة اليوم».
وعلى هذا الأساس، ينطلق القلق في آسيا من أن اليابان التي تستعيد نشاطها العسكري قد يقدر لحكومتها أن تعد لممارسة الضغوطات العسكرية خارج حدودها. والصين، بشكل خاص، التي تعرضت أراضيها في منشوريا للغزو الياباني في عام 1931، تعتريها الشكوك من أية تحركات قد تجريها اليابان لتأكيد وجودها من خلال تعديل التزامها الدستوري آنف الذكر.
في الواقع، إن وجهة النظر الصينية هذه صحيحة، وليس من دلالة على ذلك أكبر من قيام الحكومة اليابانية الحالية بتعديل الدستور، بشكل لا يقبل الشك حول نية رئيس الوزراء، شينزو آبي، بتمديد مسؤولية قواته البرية والبحرية والجوية لتشمل عمليات لا علاقة مباشرة لها بالدفاع عن الأراضي اليابانية. وقد رأى العالم كيف بات آبي يجادل علناً وعلى نحو متكرر بأنه على القوات اليابانية الانخراط في «الدفاع الجماعي»، بحيث يمكن القتال إلى جانب الحليف العسكري- الولايات المتحدة الأمريكية- إذا جاء هذا الحليف للهجوم في الشرق، فيما يرى الكثيرون من أبناء الشعب الياباني أن هذا هو التحدي الأكثر عمقاً للدستور السلمي الذي تجذر في المجتمع الياباني منذ عام 1947، وبرغبة أمريكية، واليوم يتم الانقلاب عليه تحت طلب أمريكي كذلك.
العبارات الفضفاضة تبددها «الضرورات»
من الضروري الذكر أن نقطة الدفاع التي تظهرها الحكومة اليابانية بصدد هذا التعديل، هو أنه مشروط بحالات ثلاث: 1. أن يكون البقاء على قيد الحياة مهدداً في اليابان. 2. أن تستنفد الخيارات غير العسكرية الأخرى جميعها. 3. أن يقتصر استخدام القوة على الحد الأدنى اللازم لردع العدوان. إلا أن عبارة «البقاء على قيد الحياة مهدداً» هي جملة من السهل التلاعب بها، في حين أن تفسيرات مثل «استنفدت» و«الحد الأدنى» هي تفسيرات بعيدة كل البعد عن الدقة من الناحية القانونية، فكل ما يتطلبه الأمر لليابان من أجل خوض الحرب هو برلمان طيع، من السهل أن يتفق على أن حادثاً معيناً أو سلسلة من الحوادث قد تهدد بقاء اليابان، وبعد النظر في الخيارات غير العسكرية، أصبح من الضروري استخدام القوة العسكرية..! هل يذكر هذا «التلاعب بالمفردات» بشيء؟ يمكن إيجاد الجواب لدى واشنطن، وخصوصاً بعد عام 2000.
إذا كنت تعتقد أن هذا غير محتمل، فيرجى التفكير في الأسباب الخادعة التي وضعت كذرائع للحروب الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن، والتي دفعت الدول نحو خراب كارثي من دول اجتاحتها العقلية العسكرية.
تخشى آسيا بحق من الحكومة العسكرية اليابانية، وهنا يبدو التخوف الصيني من «مضي اليابان إلى إسقاط سياستها الدفاعية حصراً، والحيد عن مسار التنمية السلمية» مفهوماً بشكل عميق، نظراً لموافقة واشنطن غير المحدودة على الإجراءات اليابانية. فمن المرجح لليابان أن تكون عربة الجر للتوسع العسكري، الذي سيكون مؤسفاً لآسيا، ولبقية العالم فعلياً.
*عن «Strategic Culture» بتصرف