شيوعية في الرئاسة
«إن البلدان المتخلفة اقتصادياً يمكن لها أن تعزف اللحن الأول في الفلسفة». هكذا قال فريدريك أنجلس، رفيق كارل ماركس، منذ أكثر من قرن. وهكذا، بعد قرون من حكم الملكية وسنوات قليلة من عهد الجمهورية، تعتلي امرأة سدة الحكم في نيبال كرئيسة لهذا البلد
وإن كان صعباً على الكثيرين في بلداننا العربية تقبل أو حتى استيعاب فكرة وصول سيدة تناضل من أجل حقوق المرأة وتغيير واقعها، إلى موقع القيادة، فكيف إذا كانت شيوعية أيضاً. تلك هي بيدهيا ديفي بهانداري، المرأة الشيوعية التي تقبّل شعبها وسعى إلى وصولها إلى مراتب عليا في بلد يصنف فقيراً، وتسود مظاهر التخلف أوجهاً كثيرة فيه.
والنيبال، البلاد الداخلية المنعزلة عن البحر، التي تحظى جبال الهملايا فيها بشهرة أكثر مما تحظى هي، تعد جمهورية فتية. استطاع أهلها تغيير الحكم فيها إلى جمهوري العام 2008، بعدما سيطرت عليها الملكية ما يقارب القرنين والنصف من الزمن. وجاء ذلك التغيير بعد صراع بين قوات الحكومة وقوات حركة «الحرب الشعبية» الماوية المتمردة، التي كانت تسيطر على نصف البلاد وتمارس المهام الحكومية الخاصة بها، وانتهى ذلك باتفاق في أواخر العام 2007، قضى بإنهاء الحكم الملكي. وهي تعتبر بلداً زراعياً تشتغل أغلبية القوة العاملة فيه في القطاع المذكور، كما تعتمد اعتماداً كبيراً على السياحة في دخلها.
ولانتخاب بهانداري أهمية على اعتبار أنها ذات تاريخ طويل من العمل السياسي في بلادها، حيث أصبحت نجمة سياسية بسب سيرتها في النضال أثناء الحكم الملكي من أجل حقوق المرأة وارتقاء دورها، كما من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية لمواطني بلادها. وقد انخرطت في المسار هذا منذ العام 1970 ودفعت ثمن ذلك بوفاة زوجها الناشط السياسي في ظروف غامضة العام 1993. وبسبب الأدوار التي لعبتها، تدرجت في العمل السياسي لتشغل منصب نائب أمين عام «الحزب الشيوعي النيبالي الموحد». وبعد سقوط الملكية قادت حملة ليصبح للمرأة حصة الثلث في حكومة بلادها، وقد حصل ذلك في مجتمع تسيطر عليه النزعة الذكورية تاريخياً. وكانت بهانداري قد تبوأت قبل منصب الرئاسة موقع وزيرة الدفاع، وهي تلفت الانتباه لأمور كثيرة تتعلق بشخصيتها وبسيرتها كناشطة حقوقية وسياسية.
وأمام بيدهيا ديفي بهانداري التي قالت بعد انتخابها: أنه يعتبر «إشارة لانطلاق الخطوة الأولى نحو تحقيق الضمانة الدستورية للمساواة»، مهمات صعبة بعد الزلزال الذي ضرب البلاد في نيسان من هذا العام. وأمامها أيضاً الكثير لتفعله من أجل تغيير أساليب الإنتاج في بلدها، إن هي أرادت إحداث تغيير جدي في النمط الاقتصادي الحالي فيه، للتحرّر من الاستغلال الرأسمالي الطاغي والذي انعكس فقراً وتخلفاً على أبناء جلدتها. وإن لم تفعل ذلك، فسيكون مرورها على الرئاسة كمرور رؤساء شيوعيين في دول رأسمالية عديدة، لم يستطع رئيسها وضع بصمة حزبه على الاقتصاد، فبقي نمط الإنتاج الرأسمالي مسيطراً بقوة وضاغطاً على أهلها. ولديها فرصة ذهبية لتحقيق ذلك مدعومة من رئيس وزراء شيوعي هو الآخر، كان قد انتخبه البرلمان لهذا المنصب بداية الشهر الماضي.
المصدر: جريدة السفير