القضية الكردية.. والظرف الراهن؟

القضية الكردية.. والظرف الراهن؟

 

من الشروط الأولى لفهم أية قضية فهماً حقيقياً، ومنها القضية الكردية، هي قراءتها قراءة متكاملة، بعيداً عن المواقف المسبقة، والخاضعة على مدى التاريخ الحديث للتجاذبات القومية، والتناول أحادي الجانب مرة، والتعميم مرة أخرى، ومن دون الوقوف عند خصائصها. وهذا ما وضع الجميع أمام خيارات مسدودة في أغلب المنعطفات التاريخية التي مرت بها القضية، الأمر الذي  ينبغي ألا يتكرر في ظروف الاضطراب الإقليمي والدولي الراهن، سواء كان من خلال الاستمرار في إنكار حقوقه القومية من جهة، أو من خلال محاولة تجيير القضية لصالح المشاريع الدولية، من حيث يدري البعض أو لا يدري، من جهة أخرى، فكلتا الحالتين تعنيان جعل القضية الكردية مجرد أداة توتير جديدة في المنطقة.  

أولاً: إن القضية الكردية ليست قضية احتلال بالمعنى الكلاسيكي المتعارف عليه، وإن كانت تنطوي على الاضطهاد القومي، بل هي نتاج خرائط رسمتها قوى دولية في ظل توازن دولي محدد ارتسم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ثانياً: الفضاء السياسي والجغرافي للقضية الكردية هو دول الرأسمالية الطرفية، بما يعنيه من نهب مزدوج (محلي من الكومبرادور، ودولي من المراكز)، مع ما يترافق مع ذلك من مستوى متدنٍ من الحريات السياسية. فبالاضافة إلى الظلم الاجتماعي هناك ظلم قومي أيضاً، بدأ مع التقسيمات الاستعمارية، ولم ينته في ظل ما اصطلح عليه بالدولة الوطنية.
ثالثاً: الحامل الاجتماعي للمشروع القومي الكردي ليس البرجوازية، كما هو سائد لدى شعوب أخرى، حيث أن الدولة القومية تشكلت في ظل تحول البرجوازية إلى طبقة بذاتها ولذاتها، وبادرت إلى تشكيل سوقها، (دولتها القومية). فقد كان الحامل السياسي للحالة الكردية قيادات تقليدية ذات طبيعة إقطاعية مرة، أو فئات من المثقفين، مرة أخرى، مثلها مثل شعوب الشرق الأخرى.
رابعاً: القضية  الكردية قضية دولية موضوعياً، بسبب توزعها بين دول عدة، اختلفت في تحالفاتها الدولية منذ تكونها. وبالتالي فإن أي تحريك للملف الكردي في دولة من هذه الدول، كانت له ردود أفعال من أربع دول، وعلى الدول المتحالفة مع الدول الأربع، بشكل غير مباشر، مما جعلها ساحة تنافس دولي دائماً.
خامساً: القومية الكردية، من أكبر القوميات من حيث عدد السكان التي ليس لها كيان قومي، وتكاد لا توجد قومية أخرى بهذا العدد من السكان، وبهذا الغنى من الثروات في أرضها، منعتها الدول الغربية من تشكيل دولتها القومية الخاصة. 
سادساً: خلق شكل تطور الدولة الوطنية، عبر التراكم التاريخي مستوى معين من الاندماج بين القومية الكردية، والقوميات الأخرى في الشرق، لا يمكن تجاهله عند وضع  أي حل للقضية الكردية.


ماذا عن الحل؟

كما أسلفنا، الأصل في واقع الحال الكردي هو تقاسم مناطق النفوذ بين الدول الاستعمارية، على خلفية الأزمات الاقتصادية الكبرى التي عصفت بالمراكز الرأسمالية في بدايات القرن الماضي ووسطه، وهو ما ينبغي عدم تجاهله إطلاقاً، لفهم ما تريده المراكز الدولية في الظرف الراهن، حتى لاتعيد المأساة التاريخية نفسها كمهزلة هذه المرة، الأمر الذي يتطلب من القوى الوطنية في الدول الأربع، تغيير زاوية الرؤية إلى هذه القضية، والعمل على حلها ليس لأنها تتعلق بحقوق طبيعية فقط، بل حتى لا تصبح ساحة استثمار من الدول الكبرى. وبالملموس العمل على تحقيق مهمتين متكاملتين بالتوازي:
رفض المشاريع الدولية التي تقوم على أساس تعميق الفوالق القومية، والقطع مع هذه القوى الدولية التي تعمل على سياسة «الاحتواء المركب لكل القوى»، و«إنهاك الكل، للتحكم بالكل».
الاعتراف بحقوق الشعب الكردي من حيث المبدأ، كجزء من شعوب الشرق العظيم، وتوفير الأرضية التي تمنع تكرار السياسات السابقة المطبقة بحقه.  
فكما ولى زمن سياسة إنكار الوجود، ولى أيضاً عهد الكيانات الصغيرة والتابعة.