نص المؤتمر الصحفي للأمين العام لـ«الشيوعي اللبناني»
الصديقات والأصدقاء، ممثلي وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب
نلتقي اليوم، في ظروف تأكد فيها عجز النظام اللبناني عن الحفاظ على الوطن وكيانه ووحدته، حتى الوطن الذي تم تفصيله على قياس تبعية البرجوازية اللبنانية للرأسمال العالمي وللقوى الإقليمية والدولية منذ سايكس ـ بيكو حتى الآن، حتى هذا الوطن، أصبح النظام عبئاً عليه وتهديداً له.
فمنذ نشأته، بل بفعل نشأته وطبيعته الطبقية الطائفية، عجز النظام اللبناني عن الحفاظ على وحدة الوطن وسيادته وكرامة شعبه، بدءا من تعطيل دور الجيش الوطني، قبل اتفاق الطائف، وطرح شعار "قوة لبنان في ضعفه"، الى التآمر على هذا الدور بعد الطائف من قبل النظام المجددة صيغته حينها، على الرغم من استمرار التهديد الإسرائيلي على حدودنا الجنوبية، يضاف اليه اليوم رديفه الإرهابي الذي يهدد وطننا من شرقه كما شماله وجنوبه وفي الداخل.
ألم يترك الجيش معزولا وبدون غطاء سياسي... بينما تكثر الصفقات على حساب تسليحه وتقويته، لتضيف الأموال الطائلة الى جيوب كبار الساسة وممثلي البرجوازية؟ ألم تصلنا الروائح الكريهة للصفقات قبل وصول أية طلقة رصاص الى مخازن الجيش اللبناني؟
ولم تكتف قوى النظام بالتآمر على دور الجيش، بل تعدّت ذلك للتآمر بشكل فاضح على لقمة عيش المواطنين وحقوقهم. فهي بدأت بتدمير أدواتهم النقابية، من خلال تدجين للإتحاد العمالي العام وسياسة التحاصص داخله، وتابعت تآمرها على القوى النقابية الديمقراطية التي دافعت لسنوات عن حق الموظفين والمعلمين والجنود والمتقاعدين والمتعاقدين عبر مطالبتها بسلسلة الرتب والرواتب، التي ابتلعتها قوى النظام، حتى بشكلها الأخير الممسوخ. واليوم، ينتقل تحالف القوى السياسية المهيمنة الى مرحلة تحويل الدولة بالكامل الى دولة فاشلة، مؤسساتها الدستورية مشلولة ومدمّرة: فالبلد يعيش بلا رئيس للجمهورية وبمجلس نواب غير شرعي، مدد لعطلته الدائمة، ومجلس وزراء معطل وعاجز.
الصديقات والأصدقاء،
ان ما يؤكد ابتعاد قوى النظام عن الكرامة الوطنية هو مباهاتهم بعجزهم حتى عن إنقاذ نظامهم ومؤسساته. فهم يتباهون بانتظار الحل الخارجي، شاربين جرعات من الأمل بإنعكاس الإتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى، انقاذاً للنظام ومؤسساته.
والأمر لا يقتصر طبعاً على المؤسسات الدستورية. فالتعليم الرسمي يواجه التآمر عليه وعلى نوعيته وديمقراطيته، لصالح التعليم الخاص في مستوياته الجامعية وما قبلها. كما أن صحة اللبناني، هي الأخرى، اصبحت سلعة تجارية لصالح المؤسسات الاستشفائية الكبرى. وبيئة لبنان أصبحت بقرة حلوب لشركات خاصة، بل لشركة واحدة تنهب المال العام وأموال البلديات وجزءاً أساسياً من موازنة الدولة. ولا ننسى الأهم، أي المصارف والشركات المالية والعقارية التي أكلت الأخضر وحتى اليابس من قوت الشعب ورزفه لتملأ جيوب أصحابها وجيوب السياسيين المتحالفين معها، غير آبهة بالمستوى الذي بلغه الدين العام الذي فاق السبعين مليار دولار، والذي يتحمل تبعته ويدفع فوائده فقراء لبنان من عرقهم ودمهم.
امام هذا الوضع، كانت الحركة الشعبية في لبنان هي صمام الأمان الدائم، وستبقى كذلك، رغم استهدافها والتآمر عليها... بدءا بتأسيس المقاومة الوطنية وكل قوى المقاومة، التي شكّلت البديل عن عجز الدولة ومؤسساتها في مهمة التصدي للعدو الإسرائيلي ولمخاطره، وكذلك في تحرير العاصمة ومعظم المناطق اللبنانية المحتلة.
ونحن اليوم في شهر البطولة، شهر تموز ومعركته الظافرة في وجه العدوان الصهيوني، وفي هذه الذكرى نحيّي بطولات المقاومين على مر التاريخ، كما ونحيّي شهداء وجرحى المقاومة وأسراها الى اي فصيل انتموا وبشكل خاص لشهداء حزبنا وجرحاه واسراه لما أعطوه في سبيل الوطن.
وأمام تآمر الدولة على جنودها وجيشها، في عيشهم وحياتهم، فأننا دعونا وندعو الشعب اللبناني لأحتضان هذا الجيش في مواجهته للعدو الصهيوني وللإرهاب على حدودنا كاملة، ونفخر بأننا كنا في مقدمة من دعا لمقاومة شعبية، ظهيراً له. واليوم نرى أن هذه الدعوة، وبعد الهجوم عليها من قوى النظام ذاته ومن قوى تآمرت على المقاومة وصمودها، تحرج هذه القوى وتدفعها الى رفع شعارات ظاهرها ايجابي ومضمونها تبرير لتخلي هذه القوى عن واجباتها في دعم الجيس كونها جزء من تركيبة الحكم والنظام.
ولا ننسى كذلك تجديد تأكيد حزبنا على دعم الحركة الشعبية والنقابية وتطويرها في المعارك التي تخوضها اليوم من أجل تامين العيش الكريم للبنانيين، من أجل الدفاع عن التعليم الرسمي بمستوياته المختلفة، من أجل انقاذ بيئة لبنان وصحة أبنائه، من أجل محاربة الفقر والبطالة، دفاعا عن قضايا العمال والمستخدمين والموظفين، وعن المزارعين والمستأجرين. فبناء الحركة النقابية العمالية المستقلة يشكّل الأساس في بناء الحركة الديمقراطية الشعبية، الحاضنة لمهمة التغيير ليس فقط بمستواه الإقتصادي ـ الإجتماعي، بل بشكل خاص بمستواه السياسي، باتجاه بناء لبنان العلماني الديمقراطي العربي...
وأمام عجز النظام عن الحفاظ على لبنان دولة وكياناً، لا بد ان تتوج كل تلك النضالات بالدفع باتجاه مؤتمر وطني للإنقاذ، يضع دستوراً جديداً للبنان العلماني الموحد، اساسه قانون للانتخابات قائم على أساس النسبية ولدائرة الانتخابية الواحدة وخارج القيد الطائفي في مواجهة دعوات مشبوهة، تذهب باتجاه شعارات متكاملة في جوهرها، إن كان دعوات ترميم النظام بدعم خارجي منتظر أو الدعوة لأنظمة تقسيمية طائفية ومذهبية، دعوات كلها تصب في جوهر المشروع الأميركي في المنطقة.
الصديقات والأصدقاء
تأتي هذه التطورات في لبنان مترافقة مع المرحلة الإنتقالية الخطيرة التي تتواجه فيها طموحات الشعوب العربية بالحرية والكرامة الوطنية والعدالة الإجتماعية مع الهجمة المعادية التي قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع الأنظمة الرجعية وبشكل خاص دول الخليج مستفيدة من سياسة الأنظمة القمعية في العالم العربي.
لا بد من الاعتراف بأن هذه الهجمة استطاعت تحويل حلم الإنتفاضات العربية الى بؤرة خطيرة من الحروب الأهلية، تصب في إطار مشروع التفتيت والإنقسامات المذهبية والطائفية بالإرتكاز على قوى إرهابية، حضرتها ودعمتها الولايات المتحدة ودول الخليج واليوم، بعد أن كبر النمر الإرهابي الذي علفوه وربوه ودربوه يدعون الحرص على مواجهته.
إن الهدف الرئيسي لهذه الهجمة، هو حتماً منع الشعوب العربية من تحقيق أهداف انتفاضاتها وبالتالي ايجاد بديل لسايكس بيكو، يتيح للولايات المتحدة السيطرة على ثروات المنطقة والاستفادة منها في تجاوز أو ايقاف مفاعيل أزمة الرأسمالية الضاربة في عمقها.
وباتجاه هذا الهدف، تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على إزالة القضية الفلسطينية من أمام مشروعها. واستبدالها بصراعات أخرى ذات طابع مذهبي وعرقي. وفي هذا المجال ونحن في تموز لا بد من تسجيل حقيقية ان المقاومة الوطنية اللبنانية منذ 1982 حتى عدوان تموز، المقاومة بكل مكوناتها استطاعت ايجاد خلل بنيوي في وظيفة الكيان الصهيوني وهذا نصرها الأساسي، وهذا ايضاً ما قامت به قوى الصمود الفلسطينية وبشكل خاص في مواجهات غزة.
إن الولايات المتحدة اليوم في مشروعها المتجدد، إضافة الى اهدافها الأساسية تحمل عبء حماية أمن الكيان الصهيوني بعد انهيار وظيفته، ويساعدها في ذلك اتجاه الرجعية العربية وبشكل خاص المملكة السعودية، في تجاوزهم، وهو تجاوز تاريخي، لموقع قضية فلسطين بإتجاه معارك مفتعلة مع ايران على قاعدة تناقض مذهبي، نرى ان على على القوى الأخرى منعه من التحقق وعدم ملاقاته على الطريق ذاته، بما يبقي فلسطين جوهراً للصراع والموقف من قضيتها أساساً في تحديد العلاقات والتحالفات.
بالإختصار،
نعيش في مرحلة، يهتز فيها النظام العالمي ذو القطب الواحد، خصوصاً بالدور الذي تلعبه دول البريكس. مرحلة انهار معها النظام العالمي الإقليمي المتمثل بسايكس بيكو، وبشكل خاص في مرحلة انتهى فيها الطائف اللبناني وملحقاته.
نحن، كحزب، كنا ولا نزال الى جانب طموحات الشعوب العربية بالخبز والحرية والكرامة الوطنية وحقها في انهاء أنظمة القمع والتبعية ولذلك عملنا ونعمل على بناء مقاومة شعبية عربية هي ضرورة رغم الصعوبات، وكنا وما زلنا الى جانب شعوب العالم المضطهدة وقواها الحية وبشكل خاص نحن في قلب الحركة الشعبية اللبنانية، ومقاومة الشعب اللبناني للعدو الصهيوني ولمخاطر الإرهاب، وبشكل خاص نحن في طليعة الداعيين لتغيير نظام التبعية والفساد والخيانة الوطنية باتجاه لبنان العربي العلماني الديمقراطي لقد تصدينا، بدون أوهام، ورغم موازين القوى، من موقعنا الديمقراطي الوطني المستقل، وليس المحايد. المستقل حتماً في تمثيله لمصالح الشعب اللبناني ومنتجيه وفقرائه وعماله وموظفيه، لنسائه وحقوقهن، لشبابه ومستقبلهم.
على ضوء هذا الموقع الطبقي المستقل والممثل لشعبنا بكل مكوناته، ندعو عبركم لعقد مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني الوطني الحادي عشر بالتوازي مع ذكرى تأسيس الحزب أيام 23، 24، 25 تشرين اول 2015.
أيها الزملاء
أسباب عديدة سياسية وتنظيمية، أعاقت عقد المؤتمر الحادي عشر بموعده الطبيعي، وهذا ما سيبحثه المؤتمر. لقد حاولنا خلال الفترة السابقة وبطرق متعددة، آخرها المبادرة التي اطلقت في مهرجان تكريم الرفيق حسن اسماعيل، وجوهرها أن الوضع السياسي في لبنان والمنطقة بحاجة الى يسار جديد يطلق مشروعاً مستقلاً لإنقاذ لبنان وبالتالي منطقتنا. وأساس هذا اليسار حزب شيوعي فاعل ومتميز ومنفتح في تنظيمه الداخلي.
لقد تمت الإستجابة من عدد كبير من الرفاق لجوهر هذه المبادرة، ولكن تعقّد الأوضاع السياسية وجملة المشكلات التي لها علاقة بخروج الشيوعيين من التنظيم الحزبي منذ عشرات السنين وبموجات مختلفة، أوجدت تعارضاً شكلياً ما بين متابعة المبادرة وعقد المؤتمر بمشاركة أوسع عدد من الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين. إن اللجنة المركزية للحزب، وخلال بحثها لهذا الموضوع، قررت عقد المؤتمر في تشرين أول مع أخذ خطوات تحضيرية تتيح للمؤتمر القادم أن يكون جزءاً مع المبادرة التي ستكون متابعتها إحدى أولويات القيادة التي سينتخبها المؤتمر.
وإضافة لذلك، ومع الاعلان اليوم عن موعد المؤتمر، نكون قد وضعنا حداً للإجراءات التنظيمية الداخلية (انتسابات جديدة، نقل تنظيم).مع استثاء عملية العودة للتنظيم الحزبي التي مددتها اللجنة المركزية حتى نهاية شهر آب القادم، متمنين مجدداً من الرفاق الذين هم خارج التنظيم الحزبي العودة اليه للمساهمة الفاعلة والضرورية في عملية التحضير وفي النقاش السياسي والتنظيمي.
ولضمان مشاركة ديمقراطية وفاعلة للشيوعيين في صياغة سياسة حزبهم وتطوير آلياته التنظيمية خلال المؤتمر، وإضافة الى الآليات المحددة في النظام الداخلي وتدعيماً للتحضير الجماعي ولإجراءات إكتمال الثقة بآلياته، قررت اللجنة المركزية، تشكيل لجنة اشراف واسعة برئاسة الأمين العام، مع تدعيم الوجود النسائي والشبابيو مع مراعاة دور الكادر المتخصص وتأمين جسر التواصل مع روحية المبادرة. وأعطت اللجنة المركزية للجنة الاشراف صلاحيات واسعة تتعلق بتحضير الوثائق، واقتراح إجراءات عقد المؤتمر، واقتراح اللوائح النهائية للهيئة الناخبة على قاعدة النظام الداخلي وعلى قاعدة التعاون مع الهيئات الحزبية القاعدية والوسطى قبل البت النهائي بها من قبل اللجنة المركزية.
وفي اجتماعها الأول، شكلت لجنة الاشراف ثلاث لجان لتنظيم العمل داخلها، الأولى لصياغة الوثيقة السياسية بمسؤولية نائب الامين العام ماري الدبس، والثانية لصياغة الاقتراحات التنظيمية بمسؤولية الرفيق علي سلمان، والثالثة لصياغة لإجراءات والتثبت من العضوية بمسؤولية الرفيق حنا غريب. الى ذلك، حددت لجنة الإشراف عدة خطوات تحفز النقاش الحزبي في وسائل الاعلام الحزبي، اضافة الى اقتراح طرح الوثائق ومناقشتها في إطار مجموعة واسعة من اليساريين والديمقراطيين ومن فعاليات سياسة وثقافية وإعلامية من خارج الحزب.
بيروت في 22 /7/2015