هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحل السياسي؟
منذ مدة، وبعد أن اجتاحت قوى الفاشية الجديدة بفرعيها الرئيسيين (داعش وجبهة النصرة) ومن في حكمهما مساحات شاسعة من الجغرافيا السورية، وباتت تهدّد المناطق التي يسيطر عليها النظام، ظهرت بعض الأصوات من شخصيات يسارية في الساحل السوري تدعو التنظيمات الماركسية إلى تشكيل جبهة موسعة لمواجهة هذه الهجمة الوحشية والمسارعة إلى امتشاق السلاح والتدريب والاستعداد للمنازلة. لأن السكين الهمجية القادمة من أعماق الجهل والبربرية الهوجاء لن تفرّق في حال وصولها إلينا ما بين يساري ويميني، مسلم ومسيحي، عربي كردي.. إلخ، بل ستستهدف الجميع.
ضيا اسكندر
لا يمكن الشكّ مطلقاً في أن الدعوة إلى المقاومة الشعبية المسلحة التي صدرت من شخصيات مشهود لها بالوطنية هي دعوة وطنية صادقة. وللعلم فإن حزب "الإرادة الشعبية" كان أول من نادى ودعا إلى تشكيل ألوية الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير للنضال من أجل تحرير الأراضي السورية المغتصبة عبر خيار المقاومة الشعبية المسلحة. إلا أن تطور الأحداث في سورية واحتدام الاشتباك الدامي بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة، حالَ دون تحقيق هذا الهدف وأصبح بعيد المنال حالياً، بسبب الانقسام الحادّ في المجتمع السوري ما بين مؤيد ومعارض للنظام. ومن الصعوبة بمكان جمع السوريين في هذه الظروف تحت راية واحدة.
ومن خلال تتبع مراحل الأزمة نرى أن خطر الفاشية الجديدة ظهر وترعرع بسبب الابتعاد عن الحل السياسي، والمراهنة على أوهام الحسم العسكري سواء من قبل النظام أو المعارضة المتشددة؛ فالطرف الأول لم يتجشّم عناء تقديم التنازلات والاستجابة لمطالب الشعب المشروعة والمحقّة. ولم يغتنم الفرص العديدة التي كان من شأنها تقليص أمد الأزمة وإخماد تداعياتها. وكذلك فصائل المعارضة المتشددة ومن يدعمها من قوى إقليمية ودولية، فقد راهنت هي الأخرى على إسقاط النظام عسكرياً، دون قراءة وتبصّر لتغيّر موازين القوى الدولية ورجحان كفة قطب الشعوب بقيادة البريكس على القطب الآخر الآيل للأفول. ولم يقتنعوا بعقم مقولة "غالب ومغلوب" التي لا يمكن تحقيقها في ظل معادلة الحرب الحالية. كل ذلك أدّى إلى هذا الخراب الكبير وخلّف خلخلة عميقة في بنية المجتمع السوري، وتشرّد الملايين داخل القطر وخارجه، وسقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين، ودمار رهيب في البنية التحتية وغيرها الكثير.. ما جعل الدولة السورية بفعل الكارثة الإنسانية الفظيعة التي ألمّت بها موضع تساؤل مرير: هل ستبقى سورية التي نعرفها، أم أنه سيتم اعتبارها دولة هشّة فاشلة؟
وبمنتهى الموضوعية والحرص والمسؤولية الوطنية يمكن سؤال الرفاق الذين يدعون إلى حمل السلاح خارج مؤسسة الجيش العربي السوري:
- هل يقبل النظام بظهور وحدات عسكرية مسلحة مستقلة لقوى سياسية معارضة له، دعت وتدعو إلى تغييره تغييراً جذرياً شاملاً، والاستعاضة عنه بنظام آخر ذي توجهات اقتصادية اجتماعية ديمقراطية مغايرة تماماً لنهجه الذي اعتمده خلال سنين طويلة؟
- أم هل ينبغي الانخراط مع التشكيلات العسكرية التي أسّسها النظام منذ عسكرة الحراك الشعبي وحتى الآن (الدفاع الوطني، اللجان الشعبية، كتائب البعث، صقور الصحراء، درع الساحل..) وما هو مقدار الثقة بهذه التشكيلات؟ بالرغم من ضرورة الإقرار بأن بعض المنتمين إليها سطّروا ملاحم بطولية عزّ نظيرها، وقدّموا الشهداء والجرحى والمخطوفين.. ولكن أيضاً لن يمكن نسيان بأن البعض الآخر قاموا بأعمال تخريبية من تعفيش وتشبيح وخلافه.. حتى أن البعض أطلق عليهم تسمية (دواعش الموالاة).
- والسؤال المهم الذي يتبادر إلى ذهن كل متابع، من هي الجهة التي ستقدّم السلاح وتقوم بتدريب المنضوين تحت لواء الجبهة المشار إليها، ومن هو المموّل (رواتب، لباس، طعام..)؟
من المعروف أن القوى اليسارية عموماً ضعيفة العدد والعدة لاعتبارات وأسباب موضوعية وأخرى ذاتية لسنا بصدد ذكرها الآن. وبالتالي فإن وضعها لا يخوّلها المبادرة إلى الدعوة إلى هكذا تشكيلات عسكرية مستقلة. بل يمكن مبدئياً الاكتفاء بتلبية الدعوة التي توجهها وزارة الدفاع للمواطنين بالالتحاق بصفوف الجيش سواء بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية. فالجيش العربي السوري بالرغم من كل الملاحظات، يبقى المؤسسة الوحيدة الضامنة لوحدة البلاد أرضاً وشعباً. وأيّ مساس أو إضعاف له، هو تقويض لحاضر ومستقبل سورية.
ولكن، هل يعني ذلك بأننا ندعو إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء لجحافل القوى الإرهابية في حال هجومها على الساحل؟ قطعاً لا.. ولنا فيما جرى في السويداء أسوةٌ حسنة عندما تعرّضت لاحتمال شنّ عدوان عليها من قبل القوى الإرهابية، كيف سارعت لجنة المحافظة لحزب الإرادة الشعبية وتدارست الواقع وأصدرت بياناً هاماً دعت من خلاله إلى التفاهم والتعاون مع الجيش العربي السوري، والاستعداد لخيار المقاومة الشعبية الوطنية باعتباره الخيار الأكثر فاعلية والأكثر جدوى.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية سبق له بعد استعراض الواقع الميداني للصراع الدائر في البلاد، أن اتخذ قراراً مفاده أنه في حال تعرّض المناطق التي يتواجد فيها الرفاق إلى هجوم من قبل (الدواعش) فإنه ينبغي حمل السلاح للدفاع عن النفس وعن الأهل والممتلكات، من دون الرجوع إلى المركز.
أخيراً نقول: إن الانهماك بمواجهة الإرهاب دون أن يكون متزامناً مع الحل السياسي، سيكون تضليلاً، وعدم وضوح في الرؤية في أحسن الأحوال، وسيؤدّي إلى إطالة أمد الصراع واستنزاف لقدرات البلاد والعباد، ولن نصل إلى ما نصبو إليه. ولا بدّ من أجل بلوغ حلّ يرضي السوريين من مشاركة كل أطياف المعارضة التي تقبل بالحل السياسي الجدّي والحقيقي استناداً إلى بيان جنيف، من خلال الدعوة إلى جنيف3 والعمل على تنفيذ مهامه الرئيسية الثلاث المعروفة: وقف التدخل الخارجي بكافة أشكاله وصوره، وقف العنف، إطلاق العملية السياسية. عندها يمكن شحذ الهمم واستنهاض طاقات الشعب الخلاقة ورصّ الصفوف لمواجهة الإرهاب ودحره والتخلّص من آثاره.
نقلاً عن موقع الحوار المتمدن بتصرف 28/6/2015