مقدمات انتفاضة جديدة للأسرى
في إجراء صهيوني يحاول استباق شرارة انتفاضة جديدة لأسرانا في المعتقلات الصهيونية، ومن أجل تشديد ظروفهم بشاعة، قامت سلطة السجون بإغلاق سجني "نفحة" و"ريمون"
بالطبع الإغلاق يعني اقتحامات يومية من قبل قوات "إسرائيلية" مدججة بالأسلحة لغرف السجناء ولكل أقسام السجن! حتى كتابة هذه السطور قامت قوات الاحتلال لليوم الثالث على التوالي باقتحام القسم الذي يتواجد فيه أسرى كل من "الجبهة الشعبية" وحركتي "حماس" و"الجهاد"، واعتدت على ذوي الأسرى الذين جاؤوا لزيارة أبنائهم المعتقلين في سجن "بئر السبع" وفرضت على الأهالي سياسة "التفتيش العاري" (الذي لم يطبّقه النازيون ولا الفاشيون) وهو ما رفضه الأهالي . أسرى الحرية قد يعلنون إضراباً جديداً عن الطعام في بداية شهر مارس، رداً على عدم تنفيذ سلطة السجون الصهيونية لما جرى الاتفاق عليه بينها وبين لجنة الأسرى، وردّاً على الاستمرار في تطبيق الأساليب الهمجية، التي تفوقت على الأساليب النازية، ضد أسرانا .
يوجد في سجون الاحتلال الغاشم ما يقارب الخمسة آلاف معتقل فلسطيني من بينهم 20 أسيرة و230 طفلاً ومن بينهم أيضاً الشيوخ . كلهم يقاسون أمرّ العذابات، ووفقاً لنادي الأسير الفلسطيني في رام الله، فإن 95% من الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لصنوف التعذيب منذ لحظة اعتقالهم حتى نقلهم إلى مراكز التوقيف والتحقيق "الإسرائيلية"، كثيرون منهم محكومون بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، وبعضهم مسجونون منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً . كثيرون من الأسرى يعانون المرض (يزيدون عن 1000 أسير) من بينهم 160 أسيراً يعانون أمراضاً مزمنة (من بينها: السرطان)، ومنهم 168 أسيراً يمارس عليهم الاعتقال الإداري التعسفي؟ (من بقايا قوانين عهد الانتداب البريطاني على فلسطينص) "إسرائيل" ما تزال تحتجز 30 أسيراً من الأسرى القدامى (ما قبل اتفاقية أوسلو) بعد أن تم إطلاق سراح ثلاث دفعات من الأسرى منهم، وفقاً لاتفاق مع السلطة الفلسطينية، ترفض إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة .
معركة الأسرى الفلسطينيين تنصّب أساساً على تحسين ظروف اعتقالهم، وهي القاسية، والتي تهدف إلى قتل الأسرى بطريقة الموت البطيء، يعيشون الاكتظاظ والظروف الحياتية الصعبة في مجالات الحريات، والتغذية، وقلة العلاج ورداءته، ومنع إدخال الكتب ومنع سماع البرامج في الإذاعات، ورؤيتها في الفضائيات، وتجريب الأدوية عليهم، وإصابة بعضهم بالأمراض المزمنة الخطيرة والعاهات الدائمة، وصعوبة زياراتهم من قبل ذويهم، فسلطات السجون الصهيونية تضع حاجزين من الأسلاك المشبكة، بينهما مسافة متر وما يزيد، الأمر الذي لا يسمح للطرفين بالتحقق السليم من وجه الأخر/الآخرين .
ولعل من أخطر الطرق التي تتبعها "إسرائيل" مع المعتقلين الفلسطينيين هي محاربتهم نفسياً من خلال الاعتقال الإداري الذي يمتد لسنوات طويلة في السجون "إسرائيل تنكرت لتعهدها بوقف هذا الاعتقال في الاتفاقية التي عقدتها مع السجناء بوساطة مصرية واستمرت فيه)، ومنع الزيارات عنهم، واستعمال وسائل التعذيب النفسي بحقهم، الأمر الذي يؤدي إلى اصابتهم بأمراض نفسية مزمنة .
لقد أظهرت الإحصائيات المتعلقة بشؤون الأسرى مؤخراً أنما يزيد على المليون من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، تم اعتقالهم في السجون "الإسرائيلية"، الأمر الذي يعني أن كل عائلة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، منها فرد، تم سجنه، ومرّ في تجربة الاعتقال . منذ عام 1967 فإن ما يزيد عن ال 207 من المعتقلين استشهدوا في أقبية المخابرات والمعتقلات الصهيونية التي تذكّر بمعسكرات الاعتقال النازية والفاشية .من السجينات أيضاً من جرى اعتقالهن في فترات الحمل، ولادتهن تتم في ظروف قاسية في غرفة(يطلق عليها زوراً اسم: مستشفى) في السجن، يشرف عليها ممرض، والمولود يبقى مع أمه في السجن .هذه هي ظروف حياة أسرانا في المعتقلات "الإسرائيلية" . "إسرائيل" تقترف وسائل العقاب الجماعي بحق المعتقلين، فكم من مرّة أحضرت سلطات السجون، قوات حرس الحدود، التي يهجم أفرادها على المعتقلين بالأسلحة الرشاشة والقنابل المسيلة للدموع، وغيرها من الوسائل، لا لشيء، إلا فقط لأن المسجونين يطالبون بتحسين ظروف اعتقالهم .لا يمر أسبوع واحد من دون اقتحامات صهيونية لغرف المعتقلين في هذا السجن الصهيوني أو ذاك .
الغريب أن "إسرائيل" تروّج: بأنها دولة ديمقراطية، والأغرب: أن العالم يصدّقها! وهو يعمي عينيه عن قضية الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية، وركّز (كما شهدنا) على أسر جندي "إسرائيلي" واحد جاء غازياً وهو شاليط، فأسره الفلسطينيون . مسؤولون كثيرون على الصعيد العالمي طالبوا بإطلاق سراحه ليعيش مع عائلته المشتاقة إليه وعرف كل العالم عن قضيته وتم اطلاق سراحه في اتفاقية تبادل الأسرى الأخيرة، بينما لا يتفوه هذا العالم بكلمة واحدة عن الأسرى الفلسطينيين، وكأنهم ليسوا أبناء عائلات، وليس لهم أمهات يشتقن إلى أبنائهن! .
رغماً عن العدو وقمعه ومخططاته وأساليبه الفاشية، استطاع أسرانا تحويل معتقلاتهم إلى مدارس نضالية تساهم في رفع وتيرة انتمائهم وإخلاصهم لشعبهم وقضيته الوطنية، فيزداد المعتقل إيماناً بعدالتها، وإصراراً على تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والكرامة والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة .
رغم الانقسام الفلسطيني، فإن المعتقلين الفلسطينيين يؤكدون وحدة الوطن والقضية في مجابهتهم لمخططات العدو الصهيوني، الذي يستهدف كسر إرادتهم أولاً وأخيراً .لقد تمكن المعتقلون من تحقيق ورقة أُطلق عليها اسم (ورقة الأسرى) لتحقيق المصالحة الفلسطينية، ورغم اتفاق كافة التنظيمات على الورقة في مباحثات القاهرة قبلا، لم تتم المصالحة، وفي هذه القضية فإن خيانة من نوع ما تجري بحق معتقلينا المستائين من بقاء الانقسام بين الفينة والاخرى يلجأ أسرانا الى السلاح الوحيد بأيديهم وهو سلاح الإضراب عن الطعام من أجل تحقيق مطالبهم، تصوروا لو أن يهوديا واحداً في مطلق سجن في أية دولة يضرب عن الطعام لفترة طويلة، لكانت قضيته أصبحت شأناً دولياً أنها سياسة الكيل بمكيالين!
الأسرى الفلسطينيون هم أسرى الحرية والضمير الإنساني، لم يقترفوا ذنباً سوى الدفاع عن شعبهم وقضيتهم الوطنية العادلة، أنهم يجابهون الاحتلال وهو حق مشروع وفقًا للدساتير والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية . يتوجب أن تصبح قضية الأسرى الفلسطينيين قضية الشعب الفلسطيني والأمة العربية بأسرها، وأن تقوم المنظمات المعنية الفلسطينية والعربية، بطرح قضيتهم عالياً على الساحة الدولية، وهذه أبسط حقوقهم علينا، واجبنا جميعاً أن نعطي قضيتهم ما تستحقه من الاهتمام .
المصدر: جريدة الخليج