اجتماع «المركزي» لتقرير المقرر
لم يكن من الضروري انتظار انتهاء اجتماع المجلس المركزي وصدور بيانه الختامي لكتابة هذا المقال . ذلك لأن كل هيئات منظمة التحرير الفلسطينية مشلولة عملياً وممنوعة فعلياً عن ممارسة دورها في اتخاذ القرار الفلسطيني، وهي كلها "منتهية الصلاحية"! ودعوة المجلس المركزي مثل اجتماع اللجنة التنفيذية، كلاهما يجتمع لتقرير المقرر . . . فليس من حكمة من الانتظار!
بعد الإعلان عن موعد اجتماع المجلس المركزي وتحديده يومي الرابع والخامس من آذار الجاري، خرج أكثر من تصريح "مسؤول" أكد أن المجلس سيتخذ "قرارات حاسمة بشأن العلاقة المستقبلية مع "إسرائيل"، أمنياً وسياسياً واقتصادياً" . ووصلت التصريحات إلى حد التصريح بأن تلك القرارات يمكن أن تشمل وقف "التنسيق الأمني" وحتى التلويح ب"حل السلطة"، وإمكانية الانسحاب من "اتفاقية باريس" في الجانب الاقتصادي . كذلك، تشمل الملفات المدرجة على جدول الأعمال موضوعات: المصالحة بين "فتح" و"حماس"، إعمار غزة، ومتابعة ملاحقة محاكمة "إسرائيل" في الجنائية الدولية!
وقبل الحديث عن اجتماع "المركزي" في دورته السابعة والعشرين، من المفيد أن نتذكر الدورة السادسة والعشرين التي افتتحت في 27-4-2014 (هل من يتذكرها؟!) . لقد عقدت تلك الدورة لتقرر تمديد المفاوضات التي كانت جارية برعاية وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ثلاثة شهور إضافية، بعد أن أوشكت الشهور الستة التي حددها للتوصل إلى اتفاق! وكان الاجتماع هو الموافقة على تمديد المفاوضات التي انتهت إلى الفشل .
في هذه المرة، وبعد تكرار الحديث عن "القرارات الحاسمة" التي سيتخذها المجلس، بدأت التصريحات حول "الضغوط" التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول العربية على القيادة الفلسطينية للحيلولة دون اتخاذ تلك القرارات . ففي آخر اجتماعاته مع الرئيس محمود عباس، قبل أيام، حاول وزير الخارجية الأمريكية جون كيري "الضغط" من أجل هذا الغرض، كما ذكرت صحيفة ("القدس"- 2-3-2015) . وقالت الصحيفة نقلاً عن "مصدر مسؤول": "إن دولاً عربية تجري منذ أيام اتصالات مكثفة مع القيادة الفلسطينية للحيلولة دون اتخاذ قرارات حاسمة خلال الاجتماع المرتقب للمجلس"! لكن أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية، كان قد قال: إن "السلطة لم تخضع في السابق، ولن تخضع اليوم لأي ضغوط"!
قبل "اتفاق أوسلو"، ويوم كانت هناك منظمات فلسطينية، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات، يجمع المجلس الوطني، أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو المجلس المركزي، ليضفي الشرعية على قرارات سبق له أن اتخذها . اليوم وبعد "اتفاق أوسلو، ورحيل ياسر عرفات، أصبح الرئيس محمود عباس يجمع اللجنة التنفيذية، أو المجلس المركزي، ليضفي الشرعية على قرارات سبق أن اتخذها! الفرق الوحيد هو أن أيام عرفات كانت هيئات ومؤسسات منظمة التحرير شرعية، أما اليوم فهي كلها فاقدة للشرعية لأن صلاحيتها منتهية منذ سنوات! وهناك فرق آخر للحقيقة، هو أنه في زمن عرفات كانت تدور مناقشات حامية وتظهر الخلافات وجود تعدد وتنوع حقيقيين، أما في زمن عباس فقد اختفت تلك المناقشات وتقريباً توجد خلافات أو تعدد أو تنوع . لكن في الزمانين، كان عرفات يأخذ الموافقة على ما يريد، ويأخذ عباس الموافقة على ما يريد!
بالنسبة إلى اجتماع المجلس المركزي الأخير، جاء الكلام عن "الضغوط" وكأنه تمهيد لما سيتخذ من "قرارات" حتى لا يفاجأ أحد بما سيتقرر! وفي كل الأحوال، فإنه في ضوء قرارات المجلس المركزي السابقة، لا يوجد خرم إبرة ينفذ منه ولو قليل من التفاؤل . والحقيقة أن "البيئة المحيطة" لا تسمح بوجود هذا الخرم . فمن جهة، يعرف المقربون أن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لن تشاركا في الاجتماع، وفي أحسن الأحوال ستكون مشاركتهما رمزية . ومن جهة ثانية، فإن جدول الأعمال متخم بالموضوعات التي فشلت كل الأطراف في التفاهم حولها، بدءاً بالمصالحة وإعمار غزة، وانتهاء بالموقف من مختلف سياسات السلطة وعلاقاتها مع "إسرائيل" . وإذا كانت السنوات العشر الماضية (منذ اتفاق القاهرة 2005) لم تستطع حل مشكلة المصالحة، فماذا سيفعل المشاركون في المجلس المركزي إزاءها في يومين؟! وقل الشيء نفسه عن بقية موضوعات جدول الأعمال!
المشكلة قائمة ومستمرة في رهانات السلطة الفلسطينية ما دامت قائمة . فبالرغم من كل ما افتضح من حقيقة الموقف الأمريكي، مثلاً، إلا أن السلطة الفلسطينية ما زالت حتى عندما ترعد وتزيد وتنتقد السياسة الأمريكية، تظل آمالها معلقة على "تغيير" ما يطرأ على تلك السياسة . على أي أساس لا أحد يعرف! الشيء نفسه يمكن أن يقال عن موضوع المفاوضات المباشرة، وكل شيء آخر معلق بالغيب!
هناك من يقول، ولم يتعب من القول، إن الحل في "إحياء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها"، وهناك من يقول، إن الحل في الذهاب إلى الانتخابات، فهي الطريق للخروج من المأزق . لكن لا أحد يدل كيف يكون ذلك، وما هي الخطوات العملية لإحياء المنظمة وتفعيل مؤسساتها، أو كيف الذهاب إلى الانتخابات، طالما أن لكل طرف فلسطيني "حق الفيتو" على أي اقتراح يطرح؟!
مرة أخرى نقول: منبع كل المشكلات يتمثل في "اتفاق أوسلو"، ولا فائدة من أي حديث مهما كان مخلصاً أو صائباً، ما دام التمسك بهذا الاتفاق ومفاعيله قائماً . الخطوة الأولى للخروج من المأزق الراهن هو إسقاط "اتفاق أوسلو" والقطع مع مفاعيله . . . ولكن كيف؟!
المصدر: الخليج