ماذا يعني الحل السياسي سوريّاً؟
مثلما كان الأمر في بداية الصراع، يعود الزخم من جديد، سوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً، للحديث عن حلٍّ سياسيّ. لكنّ خلافات جوهريّة ما زالت تحيط بهذا التعبير.
في البداية، عندما كان التظاهر سلميّاً، تمّ استخدام هذا التعبير كنقيضٍ للحلّ الأمنيّ، بمعنى حصول تغييرات جوهريّة استباقيّة في علاقة السلطة مع الدولة والشعب، بدل استخدام القمع، كان منها أن تخفّف من حدّة الاعتراض وتوقف التطوّر نحو صراعٍ داخليّ مفتوح. لكنّ حلّاً سياسيّاً آنذاك كان يعني انتصاراً لـ «الربيع العربيّ» وأفكاره. وقد كان ذلك مرفوضاً ليس فقط من السلطة في سوريا، بل أيضاً من القوى الإقليميّة التي خشيت من امتداد الموجة إليها. كان إذاً للبعد الجيوستراتيجيّ دور كبير في عرقلة الحلّ السياسيّ وأخذ سوريا، كما بلدانٍ عربيّة أخرى، إلى الحرب، كما إلى صراعٍ عسكريّ بين السوريين لمصلحة دول إقليميّة بعينها.
اليوم وقد باتت سوريا في أتون الحرب، يتمّ استخدام تعبير الحلّ السياسيّ للدلالة على أشياء مختلفة تماماً. فمن وجهة نظر السلطة القائمة، يعني «العودة إلى حضن الوطن»، أي الرضوخ للسلطة القائمة وهيمنتها على مؤسسات الدولة كما كانت الصورة قبل 2011. هذا التفسير ليس واقعيّاً على اعتبار أن المؤسّسات ذاتها شهدت تحوّلات جوهريّة من جرّاء الحرب، ونظراً لأن المجتمع أفرز خلالها كثيراً من القضايا، انطلاقاً من عسكرته ووصولاً لإدارة شؤونه محليّاً بشكلٍ ذاتيّ. وهذا جليّ حتّى في ما يسمّى «المصالحات» التي تعقدها مؤسّسات الدولة مع المناطق المحاصرة، أو بخصوص ما يحصل في المناطق الشماليّة، خصوصاً بعد تحرير عين العرب/كوباني. واستمرار السلطة في اعتمادها هذا التفسير لا يعني سوى نكرانها للواقع، كما تنكر واقع استخدام البراميل التي ترميها على المدنيين. وهو أملٌ واهٍ بانتصارٍ عسكريّ وسياسيّ على جميع الأطراف الأخرى، مع تغيّر الظروف الإقليميّة والدوليّة لمصلحتها.
من ناحيتها، تعتمد معظم أطياف المعارضة السياسيّة على تنوّعاتها تفسيراً للحلّ السياسيّ الذي يقوم على أسس بيان «جنيف 1»، أيّ على تفاوض جسم من المعارضة على تقاسم السلطة مع الحكم الحاليّ. إلاّ أنّ هذا التفسير يصطدم بواقع أنّ هذه المعارضة السياسيّة راهنت، وما زالت تراهن، على الدعم الإقليميّ والدوليّ أكثر من مراهنتها على بناء قاعدة شعبيّة لها على الأرض، وعلى ارتباطها الوثيق مع المعارضة السلميّة والمسلّحة التي تقبل بالمساواة في المواطنة. هكذا، وبرغم الجهود المبذولة تحت شعار توحيد المعارضة، يتكرّس أكثر فأكثر اليوم فرزها إلى تكتّلات ذات تناقضات جوهريّة في الأهداف والممارسة. المعارضة المسلّحة تتجمّع في كتل، مثل «الجبهة الشاميّة» مقابل «جبهة النصرة»، وكذلك «جيش الإسلام» الذي أخضع في مناطقه الفصائل الأخرى. والمعارضة السياسيّة تشهد أيضاً نهاية وهم احتكار «الائتلاف» لتمثيل الشعب السوريّ. هذا التحوّل كلّه يأتي نتيجة تغيّرات في رؤية الدول الإقليميّة للحلّ السياسيّ، حتّى بين تلك التي كانت سابقاً في صفٍّ واحد. فمَن يجلس مع مَن إذاً في «جنيف 3؟» ومن هي «المعارضة» التي ستأخذ جزءاً من السلطة والصلاحيات الكاملة، المنصوص عليها في البند الملتبس، المثير للجدل في البيان المرجعيّ الذي اعتمده مجلس الأمن؟ وهل يتضمّن هذا التعبير جميع الكيانات السياسيّة القائمة داخل وخارج البلاد، وكذلك المعارضة المسلّحة غير المتطرّفة وممثليها، وممثّلي قوات الحماية الشعبيّة والإدارة الذاتية في الشمال، والعشائر المعنيّة ذات المواجهة المباشرة مع «داعش»؟ ليس إنقاصاً من قدر المعارضة طرح إشكاليّة ماذا يعني الحلّ السياسيّ، بل إنه مسؤوليّة سياسيّة وجهد مطلوب للخروج من الصراع القائم. وإذا كانت المعارضة «معارضات»، فإنّ السلطة في سوريا لم تعد اليوم سوى طرفاً من الأطراف المتنازعة، وهي في الحقيقة «سلطات»، ومراكز نفوذ متنوّعة.
المصدر: السفير