تركيا... دولة الفساد «العميقة»
وأخيراً صدر قرار لجنة التحقيق في البرلمان التركي بإعلان الطمس الكامل لفضيحة الفساد التي انفجرت في 17 كانون الأول من العام 2013 .
فضيحة الفساد التي هزت أركان نظام حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان لم يقابلها الأخير سوى بالقول إنها "مؤامرة"، تهدف إلى إسقاط سلطة حزب العدالة والتنمية .
قرار اللجنة كان متوقعاً إلى حد كبير، إذ إن اللجنة المؤلفة من خمسة نواب للمعارضة وتسعة لحزب العدالة والتنمية ما كان لها أن تصدر أي قرار يخالف رأي حزب العدالة والتنمية الذين لهم الأغلبية في اللجنة . وقد ناقشت اللجنة في اجتماعها يوم الاثنين الفائت مسألة ما إذا كان يجب إرسال الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى المحكمة العليا الخاصة بالمسؤولين أم لا . غير أن البعض راهن على "صحوة ضمير" لدى بعض نواب اللجنة من حزب العدالة والتنمية فيغيرون المعادلة، ويقدم حينها الوزراء الأربعة للمحاكمة . غير أن الرهان على تلك الصحوة كان في غير محله، لأن الحزب لم يعد ذلك الذي يمكن التمرد على زعيمه، لأن العواقب ستكون على من يمكن أن يتمرد من النواب على قرار "الزعيم" بمنع ترشيحه مجدداً للانتخابات النيابية المقبلة .
الوزراء الأربعة الذين نجوا من المحاكمة أمام أعلى محكمة تركية هم: معمر غولير وزير الداخلية السابق، وظافر تشاغليان وزير الصناعة والتجارة السابق، وإيغيمين باغيش وزير الاتحاد الأوروبي السابق، وأردوغان بيرقدار وزير البيئة وتطوير المدن السابق، وهؤلاء كانوا من أركان الفريق الذين كان يحيط برئيس الحكومة حينها أردوغان .
قرار اللجنة الذي ينتظر أن يصوّت البرلمان عليه بشكل نهائي برفضه أو قبوله في 29 الشهر الجاري، سيشكل مادة دسمة للنقاش والحروب السياسية في الداخل التركي، كما سيمثل محطة أخرى مسيئة لصورة أردوغان السيئة أصلاً لدى الرأي العام الدولي .
من يعرف ذهنية أردوغان كان يعرف سلفاً أن اللجنة لن توصي بتقديم الوزراء الأربعة إلى المحكمة العليا .
1- إن مجرد إرسال الوزراء المتهمين إلى المحكمة العليا كان سيفتح الباب أمام إثبات التهم ضدهم من خلال أدلة دامغة، عمل أردوغان على امتداد أكثر من سنة لطمسها وتحريف الأنظار عن التهمة أصلاً .
2- إن بدء محاكمة الوزراء المتهمين وكلهم من حزب العدالة والتنمية كان سيشكل مادة دعائية هائلة للمعارضة، على أساس أن هؤلاء يحاكمون بتهمة طالما حاول أردوغان أن يبعد الشبهات عنه، وقد تصل المحاكمة إلى استدعاء ابنه بلال للمحاكمة بالتهم نفسها، وبالتالي ستكون كرة الثلج التي لن يستطيع أحد إيقافها .
3- ستأتي المحاكمة فيما لو حصلت عشية انتخابات نيابية ستحصل في نهاية الربيع المقبل، وما ستحمله من انعكاسات سلبية على حملة حزب العدالة والتنمية بزعامة أحمد داوود أوغلو، وهو ما كان سيفقد الحزب نقاطاً عدة قد تؤثر في مكانته وحجم نفوذه في البرلمان المقبل .
غير أن قرار اللجنة بعدم إرسال الوزراء إلى المحكمة العليا لا يعني أنهم أبرياء، بل إن المكان الوحيد الذي يحسم التهمة هو القضاء وليس تصويت أعضاء لجنة في البرلمان التركي . تهم الفساد يحسمها القضاء بل قضاء مستقل، وليس السياسة . وهذا الأمر لا شك لن يبيض صفحة أردوغان من شبهات الفساد، بل إن مجرد منع تقديم هؤلاء الوزراء للمحاكمة يعني أن هناك من التهم الثقيلة والأدلة الصاعقة التي يعمل حزب العدالة والتنمية على طمسها، وبالتالي سوف تلاحق الشبهات الحزب وقادته السابقين والحاليين إلى أن يحسمها القضاء .
ولا شك أن الخاسر الأكبر من هذا القرار سيكون عملياً وبخلاف ما يظن قادته، حزب العدالة والتنمية وخصوصاً رئيسه الجديد أحمد داوود أوغلو المعين من قبل أردوغان .اذ كان بإمكان داوود أوغلو ان يفتح صفحة جديدة، ويؤكد أنه ليس خاتماً في إصبع أردوغان بأن يؤيد إرسال المتهمين إلى المحكمة العليا . غير أن داوود أوغلو خسر في معركة الفساد وبات هو نفسه موضع شبهة من جهة، أو أنه مجرد دمية يحركها أردوغان . ويا له من مصير بائس له ولحزبه ولرئيسه الفعلي القابع في قصر كلف 700 مليون دولار وتدور حول كلفة بنائه شبهات فساد ضخمة.
المصدر: الخليج