ضحايا الكهرباء في غزة
وكأن غزة لم يكفها ما حل بها من خراب ودمار وقتل وتهجير بفعل الحروب العدوانية الصهيونية المتواصلة، والحصار الممتد منذ سنوات طويلة، كي تتحول إلى ساحة كبيرة للموت المنتشر على مساحة القطاع بكل أشكاله ومظاهره... فلقد تعددت الأسباب والموت واحد.
ولكن أن تستشهد بنيران الاحتلال أو تموت لانقضاء الأجل، فهذان شيئان يمكن أن تجد لهما تفسيراً في معركة الموت والحياة على هذه الأرض التي تتنازعها غريزة البقاء في مواجهة حرب الإبادة . غير أن ما لم يكن مفهوماً، أو ربما ما لا تجد له تفسيراً هو هذا الموت المجاني الذي بات يتهدد حياة البشر ويخطف فلذات أكبادهم، وإن كان منبعه في الأصل هو الاحتلال والحصار، إلا أن العبثية وسوء الإدارة والمناكفات السياسية والتجاذبات الفصائلية، علاوة على الظروف المحيطة، باتت تلعب دوراً طاغياً في إزهاق أرواح حياة الأبرياء، كأن يأتي الموت عرضاً برصاصة عابرة للحدود، أو بانفجار قنبلة أو لغم من مخلفات الحروب، أو انهيار مبنى متهالك تخلخلت أساساته بفعل قذائف الاحتلال، وغير ذلك الكثير .
آخر مظاهر الموت المجاني جاءت، هذه المرة، عبر الكهرباء التي تحول انقطاعها إلى عدو لا يقل خطورة وشراسة عن الاحتلال ذاته، وهي ظاهرة تستحق التوقف عندها بعد أن حصدت أرواحاً من سكان القطاع، وآخرهم طفلا مخيم الشاطئ خالد وعمر (2 - 4 أعوام) اللذان قضيا حرقاً بعد انقطاع متكرر للتيار الكهربائي أشعل منزلهما في غفلة من العائلة . وبحسب مركز حقوقي فلسطيني، فقد حصدت ظاهرة انقطاع الكهرباء أرواح 26 فلسطينياً بينهم 21 طفلاً (حرقاً أو اختناقاً) منذ عام ،2010 وهو رقم كبير إذا ما قورن بالحوادث الطبيعية في أي من المجتمعات .
مشكلة غزة باتت معروفة للجميع، فهي تملك محطة توليد وحيدة، يتوقف على تشغيلها حياة كل أهالي القطاع، وفي مقدمتهم المرضى القابعون في المستشفيات وغرف العناية الفائقة، إلى جانب المنازل والمصانع والمعامل والورش والمؤسسات، وهي وإن كان تشغيلها مرهوناً بالوقود الذي يأتي غالباً عبر الكيان الصهيوني، إلا أنها تحولت إلى سوق للمناكفات والمزايدات الفلسطينية بسبب استمرار الانقسام وغياب التوافق الوطني على الرغم من وجود حكومة توافق وطني . وبعيداً عن المناورة السياسية، والاستغلال الصهيوني في توظيفها كجزء من العقوبات الجماعية، فإن الكيان يبدي استعداده لتزويد المحطة بالوقود، في نهاية المطاف، عندما يقبض الثمن، لكن العرقلة كانت تأتي في مرات كثيرة من الجانب الفلسطيني، حيث الشد والجذب والاتهامات المتبادلة، ما بين السلطة وحركة "فتح" من جهة، وحركة "حماس" من جهة أخرى، حول دفع فاتورة الوقود ليصار إلى تسديدها للكيان، إذ هناك من يريد أن يستثمر تلكؤ السلطة في دفع مستحقات الوقود للكيان، في الضغط للحصول على تنازلات سياسية من دون أي اعتبار لحياة سكان القطاع واحتياجاتهم .
وفي كل الأحوال، يبقى المواطن البسيط هو من يدفع الثمن، بانتظار حدوث معجزة تنهي الانقسام الفلسطيني وتعيد اللحمة إلى جناحي الوطن، ولكنها مهمة يبدو أنها أصبحت تعادل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر .
المصدر: الخليج