ديمقراطية من أجل عنصريين أكثر
وسط توقعات مراقبين كثر واستغراب آخرين أكثر، أقال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو زعيمي حزبين مشاركين في ائتلافه الحاكم، أحدهما نجم الانتخابات السابقة يائير لبيد، صاحب الكتلة الأكبر في الكنيست التاسعة عشرة، زعيم (حزب يوجد مستقبل)، وتسيبي ليفني زعيمة حزب (الحركة)، فدفع بحكومة قائمة، لا يزال من عمرها الافتراضي نحو ثلاث سنوات شبه مضمونة، إلى مغامرة مهما قيل إنها محسوبة، فإنها تظل تحت رحمة المفاجآت ربما غير المعروفه، وبسبب خلافات شخصية لا تتعلق بالمصلحة العامة، كما يرى محللون «إسرائيليون».
وفي الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات القادمة الذي تقرر يوم 17 مارس/آذار ،2014 ستظل الساحة "الإسرائيلية" غارقة في تحليل الأسباب والدوافع التي دفعت نتنياهو إلى أن يقدم على هذه الخطوة التي أصبحت روتينية، مع توفر ما يشبه الإجماع على التطرف ومزيد من التطرف للأحزاب "الإسرائيلية" في كل انتخابات جديدة . كذلك ستغرق الاستطلاعات الخاصة بالخريطة السياسية ونسبة قوة كل من الأحزاب والقوى والتحالفات، وأيضاً عن نشاطات وتحركات تلك الأحزاب والقوى في سعيها إلى تشكيل التحالفات الجديدة، وربما إحياء بعض التحالفات القديمة، وسيناريوهات الحكومة المقبلة، من دون أن يوقف أو يعلق ذلك القرارات والنشاطات والسياسات الخاصة بالاستيطان ومصادرة الأرض والمواقف المعادية للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال .
وفي الوقت الذي يجب ألا تغرقنا، نحن الفلسطينيين، هذه الانتخابات في حملاتها الانتخابية من خلال ملاحقة هذا التصريح أو ذاك، لهذا الزعيم "الإسرائيلي" أو ذاك، إلا أنه ليس صحيحاً أن يقال إنها "شأن "إسرائيلي" داخلي لا يعنينا"، لأنها في الحقيقة شئنا أم أبينا، بل ورغماً عنا، تعنينا، وتعنينا جداً لأن الوحوش المتصارعة في حلبتها إنما هم يتصارعون علينا، وعلى حقوقنا ومستقبل شعبنا وحقه في تقرير مصيره في أرضه . وباعتراف أبرز المحللين السياسيين "الإسرائيليين"، فإن أهم ما ستفرزه هذه الانتخابات هو صعود جديد للمستوطنين والمتدينين الأكثر تطرفاً وعنصرية، ما يجعل المقبل من الأيام تعزيزاً للسياسات "الإسرائيلية" التوسعية العنصرية المستندة إلى سياسات التطهير العرقي في فلسطين المحتلة كلها، في الداخل وفي الضفة على حد سواء، وهو ما يلقي بدوره على عاتق الشعب الفلسطسيني في كل أماكن تواجده مسؤولية مواجهة الموجة العنصرية القادمة .
إن أقرب التوقعات للواقع حول النتائج المرتقبة من هذه الانتخابات وما بعدها، جاء في مقال ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة (هآرتس) في مقال نشرته في العدد الصادر مساء يوم 2-12-،2014 وجاء فيه قوله: "هناك نتيجتان محتملتان: شراكة بين أطراف أحزاب اليمين الديني (الحريديم)، وحكومة (يسار- وسط) برئاسة اسحق هيرتزوغ، زعيم حزب (العمل)، مدعومة بالأحزاب اليمينية الدينية، وحزب يميني واحد على الأقل" ! بمعنى آخر، إما حكومة للمتدينين الأكثر تطرفاً، وإما حكومة لما يعتبرونه هم (يسار) في خلطة مع المتدينين (الأقل تطرفاً)، وحزب يميني علماني مثل (الليكود)!! لذلك يضيف بن مؤكداً أن "هيمنة اليمين على صناعة القرار هي الأكثر احتمالاً" .
ويتوقف ألوف بن عند حظوظ بعض أسماء "النجوم" الحاليين، فيرى أن هناك احتمالات أضعف، إلى جانب الاحتمالين اللذين ذكرهما، من قبيل "تفوق نفتالي بينيت (زعيم حزب البيت اليهودي) على نتنياهو وصعوده إلى تزعم اليمين، أو أن يحقق موشيه كحلون بحزبه الجديد فوزاً كاسحاً"! لكنه أضاف: "إنه حتى نتائج من هذا القبيل لن يغير من سياسات الحكومة القادمة، إذ إنه في كل سيناريو سيكون لليمين (فيتو) عملي على أي اتفاق تسوية مع الفلسطينيين أو إخلاء مستوطنين"!
ومن يريد أن يختصر ويقفز إلى ما بعد إجراء الانتخابات، يستطيع أن يقول: انتظروا حكومة في أحسن الأحوال نسخة عن حكومة نتنياهو، وفي أسوئها كثيراً أسوأ من تلك الحكومة . ولمزيد من الاختصار المفيد، يمكن القول: إن "الديمقراطية الإسرائيلية" التي يعيّروننا بها، والتي أحياناً نعيّر بعضنا بعضاً بها، هي "ديمقراطية" من أجل مزيد من العنصريين في الحكم! وهذا ما يطرح على الفلسطينيين ما يتوجب عليهم أن يفعلوه إزاء مثل هذه الحكومة، التي ستكون أفعالها وسياساتها أسوأ من أفعال وسياسات حكومة نتنياهو الثالثة .
بالتأكيد لن يكون المطلوب مغازلة بعض الأحزاب "الإسرائيلية"، أو الضغط على فلسطينيي الداخل لدعم ذلك البعض، كما كان يحدث في الماضي، لكن المطلوب هو أن يكون العمل على الجبهة الداخلية الفلسطينية، ولكن كيف؟ البعض يستسهل الحل ويقول: إن الحل في "توحيد الجبهة الفلسطينية"! حسناً، ولكن كيف مرة أخرى؟ يجيب هذا البعض: "بتنفيذ اتفاقات المصالحة"! حسناً مرة أخرى، ولكن كيف مرة ثالثة؟ ويجيبون: "بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، وللمجلس الوطني، حرة ونزيهة"! حسناً . . وكيف؟ (من دون عد هذه المرة)!!
وبينما تشتد حرب المزايدات في التطرف، وتلمع السيوف في انتخابات الكنيست العشرين، بكل ما تحمله من نتائج سيئة للفلسطينيين، ما زلنا نسمع عن مشروع فلسطيني لمجلس الأمن، وإن فشل فالانضمام إلى المنظمات الدولية . . إلخ . وبعدم التوقف عند التعهدات الأمريكية الجديدة بدعم "إسرائيل" في كل الأحوال، كما أسمعتنا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون مؤخراً (التي يمكن أن تترشح للرئاسة الأمريكية المقبلة)، فإن المعروف تاريخياً أنه لا أحد، لا في الغرب ولا في الشرق، ولا حتى في العالمين العربي والإسلامي، يحاول الضغط أو الإساءة أو إحراج "إسرائيل" في سنة انتخابات!! فما العمل؟
المصدر: الخليج