الصمت الإسرائيلي والعدوان على سوريا: استمرار لسياسة معركة ما بين حربين
كعادتها، التزمت إسرائيل الرسمية الصمت تجاه الغارات التي نفذتها طائراتها ضد أهداف سورية، وتركت المجال واسعاً للمعلقين. ولكن خلافاً لغارات سابقة، وبسبب التوجه نحو انتخابات مبكرة، لمّح معارضون إسرائيليون الى أن دوافع الغارات انتخابية
ولكن، من تحت الطاولة وفوقها، خرج متحدثون حزبيون موالون لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ليعلنوا أن مثل هذه الاتهامات غير مسؤولة.
وفي كل حال، اعتبر المعلق العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل أن الغارة «المنسوبة» لسلاح الجو الإسرائيلي على موقعين في سوريا «تبدو استمراراً للسياسة التي رسمتها إسرائيل بشأن الحرب الأهلية في سوريا قبل أكثر من ثلاثة أعوام. فإسرائيل، رسمياً، لا تنفي ولا تؤكد مسؤوليتها عن القصف. لكن زعماءها حرصوا، في مناسبات مختلفة، على إيصال رسائل صريحة سرية وأحيانا علنية لدمشق. وقد رسمت إسرائيل خطوطاً حمراء في الجبهة الشمالية ــ نقل منظومات سلاح متطورة من سوريا إلى حزب الله أو المساس بالسيادة الإسرائيلية. في حالات كهذه، هي على استعداد لاستخدام القوة لإحباط نيات الطرف الخصم».
واعتبر هارئيل أن غارة أمس الأول، جاءت بعد فترة طويلة نسبياً من الهدوء. وأشار إلى أن الغارة «استثنائية، لثلاثة أبعاد على الأقل: تمت بعدما بذل حزب الله جهداً لوضع قواعد لعبة جديدة مع إسرائيل في الحلبة الشمالية، وبعدما غيّرت الأسرة الدولية سلّم أولوياتها بشأن الحرب في سوريا (من إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد أولا، إلى هزيمة خصومه في تنظيم «داعش» حاليا) وهذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها إسرائيل في سوريا منذ إعلان نتنياهو نيته الذهاب إلى انتخابات جديدة».
وخلص معلق «هآرتس» إلى أن النظام السوري قد يمتنع عن الرد، سواء مباشرة أو غير مباشر، على الغارة الإسرائيلية لأسباب بينها الحملة الجوية الغربية على تنظيم «داعش» الذي غدا العدو الرقم واحداً للولايات المتحدة. وأشار إلى أن سوريا، بحسب تقديره، ليس لها مصلحة في الانزلاق نحو صراع جانبي مع إسرائيل يقود إلى تعقيد الوضع.
وقال إن «رد فعل حزب الله يصعب تقديره. فحزب الله في العام الأخير يوحي بثقة أكبر بالنفس في استفزازاته لإسرائيل. والسؤال: هل موضع الهجوم، في الجانب السوري من الحدود، سيشكل في نظره مبرراً مقنعاً بما فيه الكفاية للرد».
وكان المعلق العسكري لـ»موقع يديعوت»، رون بن يشاي أكثر صراحة حين كتب أن الغارة «أعدت كما يبدو لمنع نقل شحنة وسائل قتالية متقدمة من طراز حديث من إيران إلى حزب الله. فالحرس الثوري الإيراني يواصل اللعب بالنار، ويزوّد حزب الله بأسلحة يمكن أن توقع خسائر ودماراً كبيراً في إسرائيل». واعتبر أن تقديره مبني على واقع أن الغارات تمت على موقعين بعيدين بعضهما عن بعض، مضيفاً أن الاحتمالات كبيرة جداً في أن الغارة تمت بناء على معلومات استخبارية دقيقة وبعدما درست إسرائيل كل الأبعاد العملياتية والاستراتيجية لها.
وحول الهدف من العملية، كتب بن يشاي أن هذه الغارة تشبه تلك التي شنت في أيار العام 2013، حينما جرى الحديث عن استهداف صواريخ «فاتح 110» من الطراز الأشد تطوراً ودقة. ولاحظ أن رجالاً من «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، أكثروا في الأسابيع الأخيرة من الحديث عن صواريخ أرض-أرض نوعية تسمح للحزب بالوصول بدقة إلى كل هدف في إسرائيل.
وكرر احتمال أن الحديث يدور عن صواريخ «فاتح 110» التي من المحتمل أن تكون شحنات منها قد وصلت فعلاً إلى «حزب الله» في لبنان، وأن الغارة رمت إلى منع وصول المزيد منها.
وأبدى بن يشاي، هو الآخر، تقديره بأن الغارة «لن تسبب اندلاعاً واسعاً للنيران بين إسرائيل وسوريا. فالأسد غير معتاد على الرد على غارات تستهدف شحنات أسلحة لحزب الله على أراضيه من أجل ألا يتورط في صدام مدمر مع إسرائيل في وقت يحارب فيه المتمردين ضد نظامه». وأشار كذلك إلى ترجيح أن لا يرد «حزب الله» أيضاً، لأنه اعتاد أن يرد على غارات تقع على الأراضي اللبنانية، بوصفه المدافع عنها ولا يريد أن يظهر بأنه يتلقى شحنات سلاح من إيران عبر الأراضي السورية. ومع ذلك استدرك بن يشاي وكتب أن «لا أحد يضمن أن يواصل حزب الله وسوريا هذه السياسة، ما يستدعي من الجيش الإسرائيلي تأهباً في الشمال».
من جانبه، أشار المعلق العسكري لـ»القناة العاشرة» الإسرائيلية، ألون بن دافيد، إلى خطأ رجال السياسة الإسرائيليين الذين سارعوا إلى إضفاء أبعاد انتخابية على الغارة.
وكتب أن الغارة لا تتم إلا بعد أسابيع وربما شهور من مراقبة مسارات السلاح، والأمر يتطلب جملة مصادقات طويلة، «من دون أن يعني ذلك أنه لا يستبعد أن يكون نتنياهو فرحاً لتزامن هجوم كهذا مع المعركة الانتخابية. لكن الجيش الإسرائيلي، لا يعرف، وأيضاً لم يكن ليوافق، على تكييف نفسه مع أجندة حزبية».
وكرر بن دافيد القول إن «الإيرانيين ثرثروا في الشهر الأخير عن تزويد حزب الله بالجيل الرابع من صواريخ فاتح 110 والتي يبلغ مداها 300 كيلومتر، وأن نائب الأمين العام لحزب الله (الشيخ نعيم قاسم) اعترف بأن رجاله تدربوا عليها وبدأوا في تسلمها». وأكد أن إسرائيل ترى في نشر مثل هذه الصواريخ في لبنان خطاً أحمر قد يهدد جوهرياً مواقع استراتيجية إسرائيلية.
أما محرر مجلة «إسرائيل ديفنس» عمير ربابورات، فكتب أن رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال هرتسي هاليفي عرض على الحكومة أمس الأول، التقدير السنوي لشعبة الاستخبارات للعام 2015. وقال إن شعبة الاستخبارات ترى أن احتمال اندلاع المواجهات على الجبهة الشمالية ليس ضئيلاً. ومع ذلك، فإن الغارة التي تمت بعد ساعات من هذا العرض لا ترتبط بهذا التقدير.
واعتبر ربابورات أن الغارة هي جزء مما يسميه الجيش الإسرائيلي «معركة ما بين حربين»، وهي تجري لإحباط نقل أسلحة استراتيجية. وأقر بأن إسرائيل ليست الجهة الوحيدة التي تحدد قواعد اللعبة، فـ»حزب الله» أيضاً يحاول ذلك، وقد نفذ هجمات عدة على الحدود، وامتنعت إسرائيل عن الرد.
المعلق العسكري لـ»يديعوت»، أليكس فيشمان، اعتبر أن إسرائيل بهذه الغارة نقلت القرار بشأن أجندة الانتخابات المقبلة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. فالطريقة التي سيرد بها على الغارة هي ما سيملي عناوين الصحف والانشغال الإسرائيلي في الأسابيع والشهور القريبة.
وأشار فيشمان إلى أن التقديرات السائدة هي أن الأسد لن يرد لاعتبارات كثيرة، واستدرك قائلاً «لكن تقديرات الاستخبارات في كل ما يتعلق بما يجري في أدمغة الزعماء العرب صحيحة، على وجه العموم، بنسبة 50 في المئة. إما كذا أو كذا».
المصدر: جريدة السفير