في ظل “التنسيق الأمني”
عوني صادق عوني صادق

في ظل “التنسيق الأمني”

هل سمع أحد أن "تنسيقاً أمنياً" قام بين محتل وواقع تحت الاحتلال، وكان لمصلحة الأخير؟ وهل يمكن ذلك في ضوء أهداف الاحتلال المعروفة؟ وإذا كان "الاحتلال" يريد مصلحة الواقع تحت احتلاله

لماذا لا يتركه لشأنه يتدبر أموره بطريقته ويرحل؟ وإذا كان الواقع تحت الاحتلال يرى في "الاحتلال" ضمانة أمنه وبقائه، فلماذا يسميه احتلالاً، ويطالب بإنهائه؟ كل هذه أسئلة تجيب، ربما عن نفسها، وعن طبيعة "التنسيق الأمني" بين محتل وواقع تحت الاحتلال . وإذا كانت عشرون سنة من المفاوضات لم تنتج غير تحقيق تدريجي لمخططات العدو "الإسرائيلي" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتراف رموز سلطة رام الله، فكيف يمكن لأحد أن يدافع عن "التنسيق الأمني" القائم بينهما؟
مع أن "اتفاق أوسلو 1993"، نص على وجوب قيام تنسيق أمني بين أجهزة أمن "الحكم الذاتي" والأجهزة الأمنية "الإسرائيلية"، وحدد عناصر تلك الأجهزة، ونوع أسلحتها وعدد الرصاصات التي تعطى للعنصر، إلا أن البداية الحقيقية للتعاون الأمني بينها كانت في العام ،2005 مع تسلم الرئيس محمود عباس المكان خلفاً للرئيس الراحل ياسر عرفات . وبعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة في يوليو/ تموز ،2007 اكتسب التنسيق الأمني "مشروعية" إضافية من طبيعة العلاقات التي ستسود بين حركتي "فتح" و"حماس" بعد ذلك، ثم جاء دور الجنرال الأمريكي دايتون في "إعادة هيكلة وبناء" أجهزة أمن السلطة، وخلق "الفلسطيني الجديد" .
لكن مواقف عباس من الكفاح المسلح والعمليات المسلحة كانت معروفة منذ ما قبل استلامه الرئاسة، وهي التي رشحته أصلاً لخلافة عرفات قبل أن يرحل، وقد ظل على موقفه حتى اليوم، وكانت آخر تصريحاته قبل أيام، إذ أعلن مجدداً: "لن أسمح بانتفاضة ثالثة، ما دمت في هذا المنصب"، ومنذ البداية لم تنكر سلطة رام الله وجود هذا التنسيق، لكنها ادعت أنه من أجل "حفظ أمن المواطن، ومنعاً للفلتان الأمني"، أما الوقائع والأحداث فقالت شيئاً آخر .
وما يستوقف المتابع، أن أجهزة أمن الاحتلال لم تفشل مرة واحدة في الوصول إلى أهدافها، في قتل أو اعتقال من أرادت . وفي المرات التي بدا أنها عجزت عن ذلك، كانت قوات أمن السلطة هي التي تقوم بالمهمة! وهناك من المطلعين "الإسرائيليين" من يعترف علناً بدور هذه الأجهزة وبأهمية ما تقوم به لقوات الاحتلال . وعلى سبيل المثال، قلل اليكس فيكشمان، المراسل العسكري لصحيفة ("هآرتس" 23-10-2014)، من خطورة "حماس" بما يخص مواجهات القدس والضفة، "ليس لأنها غير خطيرة، بل لأنها تخضع لتحكم استخباري جيد"، ولأن كل ما يتعلق بمكافحة حركة (حماس) "تعمل السلطة بالتنسيق مع جهاز الأمن "الإسرائيلي""، في الوقت نفسه وفي خضم مواجهات القدس، أعلن ضابط إسرائيلي، في حديث مع مراسل القناة التلفزيونية العاشرة، أور هيلر، أن أبو مازن "لم يتغير، وما زال يقف ضد أي عملية إرهابية، ويطلب من أجهزته مكافحة الإرهاب و"حماس"، وذلك بخلاف الاتهامات التي توجهها له "إسرائيل" في العلن" .
لذلك لم يكن تهديداً عادياً، ذلك الذي وجهه عباس، عندما قال إنه إذا فشل مشروعه في مجلس الأمن، سيلغي التنسيق الأمني مع "إسرائيل" . وفي السياق نفسه، جاء تشديد صائب عريقات من أن فشل المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال في مجلس الأمن "يستوجب وقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال "الإسرائيلي""، كذلك لم يكن حرصاً على "أمن المواطن الفلسطيني" أن نتنياهو في ذروة غضبه على أبو مازن، قطع كل اتصالاته معه ومع السلطة، إلا أنه حرص على إبقاء "التنسيق الأمني" بينهما، لكن القضية امتدت إلى ما هو أخطر من ذلك، وكان الأخطر أن أجهزة أمن السلطة أصبحت تقوم بمهام أجهزة الاحتلال عندما تفشل أو تعجز هذه عنها، مثل عمليات اقتحام المخيمات، ومطاردة المطلوبين والقبض عليهم، أو قتلهم كما فعلت في مخيم جنين عندما حاصرت وقتلت الشهيد بسام السعدي يوم 28-4-،2014 بعد فشل قوات الاحتلال في ذلك . في تلك الأثناء، قال الرئيس عباس للصحافة المحلية، دفاعاً عما انكشف من أبعاد "التنسيق": "التنسيق الأمني ليس لمصلحة طرف واحد، ولكن للأرض الفلسطينية . ونحن حريصون على التنسيق الأمني لأننا نريد أمن المواطن الفلسطيني . وبالتالي فإن ما يقال بهذا الشأن هو مزايدات رخيصة" ("الأيام" 16-4-2014) . كذلك كانت مخيمات بلاطة، والعين وعسكر، أهدافاً لأجهزة أمن السلطة وأيضا من أجل "أمن المواطن الفلسطيني ومنع الانفلات الأمني" .
في ظل الأوضاع الأمنية السائدة في الضفة، والدور الذي تلعبه أجهزة أمن السلطة فيها، ومردود ذلك على المواطن الفلسطيني ومواقفه، وما يعانيه من إحباط وعدم ثقة، تصبح الأسئلة والتساؤلات التي تثار بين حين وآخر بشكل دوري، عن الانتفاضة الثالثة، والمصالحة، والعلاقات الفلسطينية الداخلية، أموراً من النوافل! إن شهوراً، بل سنيناً، لم تنجح في أن تقرب مواقف حركتي "فتح" و"حماس" من الاتفاق على شيء، بل إن "التوافق" الذي قيل إنه تحقق في "اتفاق الشاطئ"، والذي بدا للبعض أنه صمد أثناء الحرب الثالثة على غزة، سقط مع وقف إطلاق النار وقبل أن تعود الوفود إلى أماكن إقاماتها! وبكلمة لن يتحقق للفلسطينيين شيء ما دام "التنسيق الأمني" قائماً .

 

المصدر: جريدة الخليج

آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين2/نوفمبر 2014 15:07