الصحراء الغربية: صراع «خفي» بين الجمهورية والملكية
عود اليوم الصحراء الغربية إلى الواجهة في ظلّ الصراع المستمر بين المغرب والجزائر على ملكيتها، فبينما تعتبرها هيئة الأمم المتحدة قضيّة «تصفية استعمار»، يجد فيها النظامان، المغربي والجزائري، حجّة للهروب من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية، التي يعانيها شعبا البلدين الشقيقين.
بعد الخطاب الذي وجهه الملك المغربي محمد السادس بمناسبة ذكرى ما يسمّى «المسيرة الخضراء»، ارتفعت حدة الصراع بين الجزائر والمغرب، حيث اتهم الملك، صراحة، الجزائر بدورها في عرقلة مسار الاستيلاء على جمهورية الصحراء الغربية، وقال بصريح العبارة: «إن الجزائر طرف أساسي في ملف الصحراء الغربية».
لكن تطرقه إلى ثروات الجزائر كشف أن الأمر يتعلق بمنافسة شرسة للسيطرة على المنطقة، بينما يدفع الشعب، وخاصة مع استمرار إغلاق الحدود البرية، ثمن تسلّط وأنانية النظامين، الجمهوري والملكي.
وتبدو العلاقات الجزائرية المغربية، جرّاء اتهامات الملك، متجهة نحو التوتر، في الوقت الذي يدعي فيه المغرب ملكيته للصحراء الغربية، ووقوعها ضمن ترابه الوطني، على الرغم من وجود ملفّها على طاولة الأمم المتحدة التي تعتبرها قضية «تصفية استعمار». وتحدّى محمد السادس، في خطابه، الهيئة الأممية والمجتمع الدولي، بأن الأراضي الصحراوية لا نقاش فيها، ولا مفاوضات حولها، وتبقى مغربية إلى «أن يرث الله الأرض ومن عليها»، وأن الحكم الذاتي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في هذا الملف. وقد فضلت الجزائر التريّث وتأجيل بتّ الأمر، ملتزمة الصّمت حيال اتهامات الملك، كعادة دبلوماسيتها في التعاطي مع قضايا من هذا النوع.
وقد سبق هذه الاتهامات، تصيعد خطير، بتصريحات من مسؤولي البلدين، على خلفية إطلاق جندي جزائري النار على مواطن مغربي على الحدود، وفق ما ذكرت السلطات المغربية، التي وصفته بالانزلاق الخطير، ونفته نظيرتها الجزائرية جملة وتفصيلاً، معتبرة أنه سيناريو مفبرك، ليستمر الوضع على حاله بين شدّ وجذب، في مشهد متكرر بين البلدين منذ 1994، سنة إغلاق المغرب حدوده مع الجزائر.
وما زاد من غضب الجزائر، هو مطالبة الرباط، على لسان وزير خارجيتها، صلاح الدين مزوار، بلجنة تحقيق «ليعرف الرأي العام الدولي من يقول الحقيقة، ومن يتحمل المسؤولية»، مضيفاً: «إن المملكة ستمارس مزيداً من الضغوط لكي نعرف من يفتعل الأزمات»، الأمر الذي اعتبرته الجزائر محاولة لتدويل ملف الحدود المغلقة. غير أن تصريحات المغرب تثبت أن الأزمة بين البلدين تتعلق بتنافس حول المنطقة، ومحاولات لإثبات الذات كقوى إقليمية، وتؤكد وجود «عقدة» و«مركب نقص» لدى الجانبين. ففي الوقت الذي قال فيه مزوار إن «المغرب سيتعامل مع الجارة الشرقية بمنطق الند للند في كل القضايا المرتبطة بسيادته»، وإن «الرأي العام يتابع ويعرف من له الجرأة»، ردّ رئيس البرلمان الجزائري، العربي ولد خليفة، على تصريحات المسؤولين المغاربة بتهديد ووعيد قائلاً: إن «الجزائر مسالمة لمن يسالمها، ولكن الويل لمن يسعى للتحرش أو يحاول الاعتداء على أي جزء من ترابها، أو يقترب من خطوطها الحمراء، وخاصة الجيش».
وعلّق الباحث والخبير في الشأن الأمني، الجزائري بن عمر بن جانة، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، على خطاب ملك المغرب بالقول: إن «محمد السادس يعيش حالة الغريق في الوحل ويحاول التشبث بقشة تخرجه من المأزق»، مضيفاً، في رده على سؤال «الأخبار» حول اتهام الجزائر في قضية الصحراء الغربية، «إنه، حسب الأمم المتحدة، الصحراء الغربية ليست تابعة للأراضي المغربية، وهناك مطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير». كما وصف بن جانة خطاب محمد السادس بأنه «دليل ضعف، فلو كان في موقع قوة لما تطرق إلى الصحراء الغربية»، مشيراً إلى أن النظام المغربي يعيش ضعفاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
وانتقد الخبير الأمني خروج محمد السادس بخطابه عن الأعراف الدبلوماسية بالتهجم على دولة جارة وشقيقة، ورد على المزاعم المغربية، بخصوص أطماع جزائرية في الصحراء الغربية، أن الجزائر تحتل المرتبة العاشرة في العالم من حيث المساحة، «لذلك لم تكن لها أطماع بالأمس، ولن تكون في المستقبل».
ويبدو البون شاسعاً حيال القضيّة بين المسؤولين الجزائريين والطبقة السياسية، على عكس الاستنفار السياسي المغربي، حيث غلبت آراء السياسيين على أن ما يحدث بين الرباط والجزائر هدفه حرف وجهة نظر الرأي العام الداخلي عن المشاكل الكبرى والمطالب الشعبية، تجنباً لانفجار الشارع، وأن الأزمة «المفتعلة»، في كل مرة، ما هي إلا فقاعة تتقاذفها وسائل الإعلام لاستمرار النظامين الجزائري بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والمغربي بقيادة القصر العلوي. رئيس «الجبهة الوطنية الجزائرية»، موسى تواتي، أوضح في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا يمكن أن نشغل وقتنا، أو تفكيرنا بما يصدر عن الرباط في كل مرة، وخصوصاً بعدما التزمت هيئة الأمم المتحدة ودول غربية الحياد في مسألة الصحراء الغربية، وهو الوضع الذي أربك المغرب كثيراً على الساحة الدولية»، مضيفاً إن «من الأفضل أن نهتم بقضايا مصيرية، وينطبق هذا الكلام على السياسيين في الجزائر والمغرب معاً»، وقال تواتي: «لدى الجزائر أزمة داخلية، لكنها لا تعاني من أزمة خارجية. كما أن الشعب المغربي في واد، والقرارات الملكية في واد آخر، لذلك يلجأ النظام المغربي، في كل مرّة، إلى محاولة حل مشاكله الداخلية بتعويم الأزمات الخارجية».
من جهته، اعتبر «التيار الإسلامي» أن ما يصدر عن المغرب ليس ذا أهمية، بل هو «لا حدث»، وأوضح رئيس «جبهة العدالة والتنمية»، عبد الله جاب الله، في تصريح لـ«الأخبار» أنه «لا ينبغي الرد بنفس النبرة كلما نطق إنسان أو دولة معينة»، داعياً إلى ضرورة الالتفات إلى الأولويات في السياسة الدولية، وكذلك على المستوى الداخلي، وأضاف «عوض أن تهتم الدولة المغربية بشؤونها الداخلية فإنها تهاجم جيرانها».
ورغم «التفهم» أو «الترفع» ولو بشكل محدود، من الطبقة السياسية في الجزائر، إلا أن مسؤولي البلدين يواصلون، بعدما انتقل الأمر إلى موضوع الحرب الإلكترونية، مسلسل الاتهامات المتبادلة، حيث وجّهت الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أمباركة بوعيدة، الاتهام للجزائر بالوقوف وراء الحرب الإلكترونية ضد المغرب، في إشارة إلى التسريبات التي استهدفت عدداً من الوثائق الدبلوماسية. واعتبرت أن العملية تهدف إلى ضرب «الدبلوماسية المغربية». بالمقابل، أكد وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أن التصعيد في التصريحات المغربية ضد الجزائر نابع من «استراتيجية رديئة لزرع التوتر»، موضحاً انه تمّ الإعلان عن وجهة نظر الجزائر، «ونكتفي بذلك»، أما الباقي فما هو إلا «هروب إلى الأمام لا يخدم مصالح الجوار، ولا مصالح أي بلد آخر»، معتبراً أن التعليقات المغربية «السلبية للغاية وغير المقبولة» بشأن الجزائر «مبالغ فيها وتافهة».
وكانت أحزاب تابعة للسلطة في الجزائر قد تحدثت عن الأزمة في نفس مسار الرسميّات، وأوضح محمد يحياوي، القيادي في حزب «تجمع أمل الجزائر»، المقرّب من الدوائر الرسمية، في حديث إلى «الأخبار» أنه «منذ أشهر تعوّد المغرب اختلاق وافتعال الأزمات، بالرغم من أن الحكومة كانت تردّ بمعاني حسن الجوار»، مضيفاً: إن «الرباط تحاول توريط الجزائر بسبب نزاع الصحراء الغربية»، داعياً إلى ضرورة تغليب المصلحة المشتركة خدمة للشعبين في تحقيق وحدة مغاربية.
وعلى العكس من الطبقة السياسية، يستغرب العسكري السابق في الجيش الجزائري، أحمد عظيمي، في تصريح لـ«الأخبار» من تزامن الأزمة مع انطلاق الجولة الثانية من الحوار المالي، وقال: «المغرب لديه مرض اسمه الجزائر، ولا يستطيع أن يعيش كجار لها»، وتابع: «الرباط تعلم أن الجزائر تعيش ضغطاً على حدودها مع ليبيا وتونس ومن الجنوب، ما يجعلها تعتقد أن الجزائر لا يمكنها أن تخوض مغامرة عسكرية على حدودها الغربية، وعليه فالمقصود من الحادثة الضغط على الجزائر في مسألة الصحراء الغربية».
وبين الرسمي والحزبي والأمني، يؤكد رئيس مركز «أمل الأمة للدراسات الاستراتيجية»، عبد العزيز حريتي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الصراع بين الجزائر والمغرب «يخدم بالدرجة الأولى مصالح العصب الحاكمة في الدولتين، ويمنع قيام الوحدة المغاربية، السياسية والاقتصادية»، معتبراً أن «الأزمات التي تظهر من حين لآخر بين البلدين، مفتعلة، من أجل إبعاد الرأي العام الداخلي عن المشاكل الحقيقية التي يعانيها»، والمتمثلة في حق المواطنين بالمشاركة في صناعة القرار، وفتح مجال الحريات السياسية والاقتصادية التي تسمح بمساءلة السلطتين في كل من المغرب والجزائر، حول التسيير والعدالة الاجتماعية.
البوليساريو تهدد بالعودة إلى حمل السلاح في وجه المغرب
هددت «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (بوليساريو)، بـ«العودة إلى الكفاح المسلح» ضد المغرب، وذلك في رد منها على تأكيد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن الصحراء الغربية ستظل تحت سيادة المغرب.
وقال وزير خارجية البوليساريو محمد سالم ولد السالك بالجزائر إن جبهة البوليساريو «لا تزال متمسكة بالحل السلمي للقضية الصحراوية، رغم ضغط الصحراويين للعودة إلى الكفاح المسلح لانتزاع الحرية والاستقلال».
وأكد في تصريح نقلته وكالة الأنباء الجزائرية أنه «في حال عدم تحرك المجتمع الدولي وانصياع المغرب للقرارات والشرعية الدولية، فإن الشعب الصحراوي لن يكون أمامه إلا خيار العودة إلى الكفاح المسلح».
(أ ف ب)
المصدر: الأخبار