وُضعت العقوبات... رُفعت العقوبات... عادت العقوبات...
ما زالت العقوبات الوسيلة الأكثر استخداماً ليُظهر الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة، موقفاً من أي شيء تقوم به السلطة في دمشق، ولكن في الوقت ذاته لا شيء يتغير؛ العقوبات تبقى وسيلة للابتزاز السياسي، وتستمر آثارها في إضعاف سورية والشعب السوري، ولا شيء يتغير حتى عند رفعها المزعوم، بل إن الأمور تزداد سوءاً على الشعب، الذي تدّعي هذه الدول حرصها على سلامته.
عندما وقع الرئيس الأمريكي، ترامب، القرار التنفيذي 14312 في 30 حزيران الماضي، والذي بموجبه أنهى برنامج العقوبات الأمريكية على سورية، أو على الأقل جزءاً منها، استبشر السوريون خيراً، ولكن الحقيقة هي أن «قانون قيصر» بقي ساري المفعول، على أن تتم مراجعة بعض بنوده وتقييمها من قبل بعض الوزراء، وتقديم توصيات حول وقف العمل بموجبها. ناهيك عن أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات فعلية مرتبطة بالعقوبات التي تم رفعها، أو أخذ أي خطوات ذات أثر إيجابي على الاقتصاد المتهالك.
نوهت قاسيون في عدد كبير من المواد حول العقوبات، ومن خلال النظر في تاريخ العقوبات الأمريكية، إلى أن إزالة العقوبات الأمريكية فعلياً أمر يكاد يكون شبه مستحيل. أبرز مثالين من هذا التاريخ الحافل، هما مثالا العراق وكوبا، حيث استمرت العقوبات حتى بعد تغيّر الظروف والأنظمة وزوال الشخصيات التي كانت ركناً أساسياً في تبرير فرضها، إلى جانب أمثلة أخرى عديدة، مثل: السودان وليبيا وغيرهما.
عندما صدر قرار رفع العقوبات، أو على الأقل تلك التي يملك الرئيس الأمريكي صلاحية رفعها، كان توقعنا أنها لن تحدث تغييراً كبيراً، وبالأخص أن ما يسمى بـ «قانون قيصر» ما زال سارياً فعلياً، ويتضمن القدرة على فرض عقوبات على جهات ثانية وثالثة، بمعنى أن العقوبات بموجبه تعطي أمريكا القدرة على فرض العقوبات على أي شخص أو جهة، إن أرادت، أو أن تستخدمها بطريقة انتقائية لفرض ما تريد على من تريد، أو بكلام آخر لتستخدمه كأداة للابتزاز السياسي والاستمرار باستهداف الشعب السوري والدولة السورية وإضعافهما.
قدم النائب الجمهوري عن ولاية نيويورك، مايكل لولر، في 16 تموز الجاري، مشروع القانون رقم 4427، المعروف باسم قانون المساءلة بشأن عقوبات سورية لعام 2025، إلى مجلس النواب الأمريكي، ويهدف هذا القانون إلى توسيع نطاق العقوبات وتعزيزها من خلال تعزيز «قانون قيصر». نظرياً، الهدف هو منع الوكالات الأمريكية من الاعتراف بأي حكومة مستقبلية بقيادة الشرع أو التطبيع معها. فعلياً مشروع القرار هذا يشكّل تحركّاً لموازنة أو عكس آثار القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب في نهاية شهر حزيران الماضي.
ما يجب التذكير به، هو التالي:
في حين أصدر الرئيس ترامب إعفاءاته وقراراته التي أنهت برنامج العقوبات الأوسع على سورية، ما زالت لدى الكونغرس السلطة لإبقاء «قانون قيصر» وتشريع قوانين صارمة، وربما أكثر صرامة.
على الرغم من أن «قانون قيصر» مرتبط بأمور لها علاقة بنظام الأسد، إلا أنه يسمح لأمريكا بفرض أي عقوبات تريد على أي جهة تريد، طالما يمكن ربطها بطرف أو نشاط أو فعل يغطيه القانون، وهذا لا يقتصر فقط على ما هو مرتبط بنظام الأسد بشكل مباشر.
بعض صقور السياسة الخارجية في واشنطن، يواصلون الدعوة إلى فرض قوانين وإجراءات أكثر صرامة، ولديهم ذرائع جاهزة متعلقة بالانتهاكات التي تتم ممارستها في سورية.
لدى أمريكا مطالب محددة من السلطة في دمشق، والعلنية منها تشمل تدمير الأسلحة الكيميائية، والقضاء على الجماعات المتطرفة، ومنع المقاتلين الأجانب من تولي أدوار رئيسية، والتعاون في القضايا العالقة، مثل: قضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وعدم ارتكاب الانتهاكات بحق «الأقليات»؛ ومنها ما هو غير معلن، لكن ليس من الصعب استنتاجه من المفردات المستخدمة في معظم– إن لم يكن جميع– القرارات ذات الصلة، حول العلاقات الجيدة مع «جيران» سورية.
أخيراً، الذريعة الرئيسية لتمرير «قانون قيصر» وبعض القوانين الأخرى المشابهة، كان «تغيير سلوك» النظام السابق، ما يعني أنه عندما يزول النظام السابق، من المفترض أن تزول معه هذه القوانين، حيث لم يعد هناك معنى لبقائها؛ وبالتالي فإن استمرارها، بغض النظر عن السلطة في دمشق اليوم، تؤكد ما قلناه دائماً، وهو أن النظام السابق لم يكن في يوم من الأيام هو المستهدف من هذه العقوبات، بل المستهدف الأساسي كان وما يزال هو الشعب السوري، وتعميق عدم الاستقرار في سورية، وبالتالي في المنطقة.
لذلك من المهم التذكير بأن السبيل الوحيد لتجاوز العقوبات الأمريكية، أو على الأقل تخفيف آثارها الكارثية على الشعب السوري، يكون من خلال بناء الاقتصاد ليس فقط على أساس أن العقوبات لن يتم رفعها، بل إنها ستكون أشدّ في حال عدم الامتثال للشروط، بالتحديد فيما يتعلق بسياسة الدولة في المنطقة، التي تضعها أمريكا والغرب عموماً، وهذا يتطلب درجة عالية من الاعتماد على الموارد المحلية، والاستفادة من التوازنات الدولية، وأعلى درجة ممكنة من الاستقلالية. ويجب التذكير بأن الثمن السياسي الذي سيدفعه الشعب السوري والدولة السورية للامتثال للشروط المفروضة هو أعلى بكثير من الثمن الذي سيدفعه الشعب والدولة نتيجة عدم الخضوع لمطالب الجهات التي تفرض العقوبات، أو أدواتها، مثل: صندوق النقد والبنك الدوليين، وغيرها من الأدوات والوكالات الدولية التي تهيمن عليها الجهات ذاتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236