المأزق السوري أعقد بكثير من وصفات «هرم ماسلو»!
سعد صائب سعد صائب

المأزق السوري أعقد بكثير من وصفات «هرم ماسلو»!

يضع العالم الأمريكي أبراهام ماسلو حاجات البشر ضمن ترتيب تصاعدي، من الحاجات الأكثر أساسية إلى الحاجات الأقل أساسية، ضمن ما بات مشهوراً ومعروفاً بـ«هرم ماسلو»، الموضح بالشكل المرفق.
هرم ماسلو معني بالدرجة الأولى بتصنيف حاجات الإنسان بوصفه فرداً ضمن مجتمع، ولكن يمكن أيضاً استخدامه بقدرٍ ما من التقريب، لتصنيف حاجات المجتمعات، وليس فقط الأفراد.

الوضع السوري وهرم ماسلو

إذا حاولنا قراءة حاجات المجتمع السوري وفقاً لهرم ماسلو، يمكننا أن نجد فيه قدراً من الصحة لا بأس به؛ فالوضع المعيشي شديد الصعوبة الذي تعيشه الغالبية الساحقة من السوريين، تجعل اهتمامهم الأول منصباً على كيفية تأمين لقمة العيش، التي باتت عزيزة صعبة المنال طوال سنوات عديدة متتالية، خاصة منذ نهايات عام 2019 مع تعمق فساد النظام السابق، ومع تطبيق عقوبات قيصر، وهي العقوبات الأكثر وحشية ربما في التاريخ بأسره، والتي ما تزال فعالة حتى اللحظة، رغم سقوط السلطة التي قيل إن العقوبات كانت موجهة ضدها.
التجربة الحية، وخاصة مع حالات التفلت الأمني، خاصة خلال الشهر الأخير، ومع الانتهاكات والجرائم المتنقلة، وارتفاع مستوى التحريض الطائفي من جهات خارجية بالدرجة الأولى، على رأسها «إسرائيل»، ومن جهات داخلية أيضاً، عاد التخوف ذو الطابع الأمني، أي الخوف المباشر على الحياة والأمان الشخصي، ليحتل موقعاً بارزاً من تفكير السوريين، خاصة مع تخوفهم من تجدد اقتتال مقيت يسفك الدم السوري ويهدد وحدة البلاد.
بكلامٍ آخر، فإن الهواجس الأساسية لدى الغالبية الساحقة من السوريين، تتعلق بموضوعين أساسيين، لا ثالث لهما: السلم الأهلي، ولقمة العيش.
المشكلة تبدأ بالضبط، حين يجري الافتراض أن حل هذه الهواجس يمكن أن يتم في قاعدة الهرم لا في قمته. بكلام أوضح، حين نفترض أن حل مشكلة السلم الأهلي يمكن أن يتم بطرقٍ أمنية، وأن حل موضوع لقمة العيش يمكن أن يتم بطرق اقتصادية.
الحقيقة هي أنه لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية بحلول اقتصادية بحتة، ولا يمكن حل المشكلة الأمنية وتحقيق السلم الأهلي بحلول أمنية بحتة؛ الحلول الفعلية تبدأ من رأس هرم الحاجات، وليس من قاعدته.
موضوع السلم الأهلي ووحدة البلاد وحصر السلاح وإعادة إقلاع الاقتصاد، كلها تبدأ من نقطة واحدة مشتركة هي تجميع قوى السوريين وكفاءاتهم بوصفهم مواطنين سوريين أولاً وأخيراً، وليس بوصفهم جماعات ومناطق وطوائف وقوميات وإلخ.
تجميع قوى السوريين، غير ممكن بحالٍ من الأحوال دون أن يدلوا بدلوهم، وأن يشعروا بأنهم أصحاب قرار في بلادهم، والمدخل لتحقيق ذلك هو حوارٌ وطني حقيقي لا شكلي، يتم عبر مؤتمر وطني عام جامع وشامل، وعبر حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل... لأن كسر الحواجز المصطنعة بين السوريين، والفوالق المختلفة بينهم، هو الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها ضمان السلم الأهلي وتعزيزه، ويمكن من خلالها تشكيل السوق الوطنية الواحدة، التي لن يقلع الاقتصاد دون تشكيلها.
هذا كله، يجعل من موضوع المشاركة السياسية الحقيقية، والحياة السياسية الحقيقية الفاعلة في البلاد حاجة قصوى، لا حاجة ترفية أو ثانوية بالنسبة للحالة السورية.
من الخطير جداً أن يحاول البعض التقليل من أهمية تنظيم الناس لأنفسهم والانخراط في الحياة السياسية، بحجة أن الوقت الآن ليس وقت السياسة، بل وقت تأمين لقمة العيش والسلم الأهلي... فدون تجميع السوريين كسوريين، استناداً إلى مصالحهم الوطنية والاقتصادية المشتركة، لن يتم تأمين لقمة العيش، ولن يتم تأمين السلم الأهلي، بل على العكس من ذلك سيزداد الوضع الاقتصادي سوءاً، والوضع الأمني أيضاً سيصبح أكثر خطورة، وستصبح التدخلات الخارجية أشد خطراً وقدرةً على التأثير، وصولاً إلى تكريس تقسيم الأمر الواقع، وتهديد وحدة البلاد بالتفجير...
شعور السوري بأنه مُمَثَّل حقاً، وبأن كرامته مُصانة، وبأن أخاه السوري هو سنده ومعينه، هو المدخل الوحيد نحو حماية البلاد وإخراجها من المخاطر التي تعيشها. وبذلك فإن «هرم ماسلو» في الحالة السورية، رغم أنه صحيح في التوصيف من حيث النتيجة، ولكن تحقيقه الفعلي والعملي يبدأ من الرأس أولاً، ومعه بالتوازي تجري حلحلة المستويات المختلفة الأدنى من الحاجات...

1221c

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221