فلنتعلم من تاريخ طلبات «الحماية الدولية»!
سعد صائب سعد صائب

فلنتعلم من تاريخ طلبات «الحماية الدولية»!

ترافقت المأساة التي جرت خلال الأسبوع الماضي في الساحل السوري، بتصاعد بعض الأصوات المطالبة بـ«الحماية الدولية» لوقف الانتهاكات والجرائم.

وربما من الممكن أن يتفهم المرء خروج هكذا دعوات من أناس عاديين وجدوا أنفسهم تحت الخطر الداهم، وتحت احتمال الموت المحقق، دون أن يبرره. ولكن لا يمكن قبول خروج هذا النمط من المطالبات ممن يقدمون أنفسهم بوصفهم سياسيين أو مناضلين حقوقيين (وهؤلاء هم من وضع في أفواه بعض الناس العاديين هذا المطلب)، لأن المفترض بهؤلاء أن يكون لديهم ما يكفي من الخبرة لمعرفة معنى هذه الدعوات وما يمكن أن تؤدي إليه.
من المفيد في هذا السياق أن نلقي نظرة سريعة على بعض الأمثلة التاريخية عن طلبات الحماية الدولية وما أدت إليه.

أولاً: الصومال (1992-1995)

بعد سقوط نظام سياد بري عام 1991، انزلقت الصومال لحرب أهلية طاحنة أدت لوقوع مجازر واسعة النطاق. تدخلت الولايات المتحدة عام 1992 في عملية سمتها «إعادة الأمل». ورغم أن هذه العملية تمت تحت غطاء الأمم المتحدة في حينه، وفي ظل نشوة النصر الأمريكي بالعالم الأحادي القطبية، إلا أن هذا التدخل أدى إلى تعميق الحالة المأساوية في الصومال، وزيادة عدد الارتكابات والمجازر التي ساهمت فيها الولايات المتحدة نفسها، كما في معركة مقديشو مثلاً التي جرت عام 1993 وأوقعت مئات القتلى من الصوماليين المدنيين، وبعد ذلك انسحبت الولايات المتحدة تاركة الصومال في حالة من الفوضى والهشاشة والجوع، وضمن تقسيم أمرٍ واقع ما يزال مستمراً حتى اللحظة.

ثانياً: يوغوسلافيا (1991-2008)

يعتبر المثال اليوغسلافي بتفاصيله الكثيرة والمعقدة، أحد أشهر الأمثلة الكلاسيكية على التأثير الكارثي للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة لتدخلات الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.
كي لا نغرق القارئ بالتفاصيل، نقول باختصار إن «الحماية الدولية» و«حماية المدنيين» التي تغطت بها الدول الغربية طوال أكثر من 15 عاماً، أدت بالمحصلة إلى تعميق الخسائر بين المدنيين بشكلٍ رهيب، وإلى تحويل يوغسلافيا من دولة مهمة وذات وزن إلى 7 دول ضعيفة ومتناحرة ومتعثرة اقتصادياً، ولا يكاد يمر عامٌ دون أن تتجدد التوترات السياسية بينها، وصولاً إلى تخوم الحرب في مرات عديدة. هذه الدول هي (سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، صربيا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، كوسوفو).

ثالثاً: السودان، دارفور (2003-الآن)

اشتعل الصراع في منطقة دارفور في السودان منذ العام 2003 بين الحكومة السودانية في حينه، أي حكومة البشير، وبين ميليشيات الجنجويد. وتحت مسمى حماية المدنيين والحماية الدولية تم نشر «قوات حفظ سلام» تابعة للاتحاد الأفريقي وللأمم المتحدة عام 2007، ولكن وجود هذه القوات لم يغير شيئاً تقريباً على الأرض، حيث استمر العنف وتصاعد، وامتد ليصل إلى فصل السودان الجنوبي عام 2011... وليس خافياً ما يجري حتى اليوم في السودان من فظائع وجرائم واقتتال.

رابعاً: ليبيا (2011)

بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية ضد نظام معمر القذافي في شباط من العام 2011، ومواجهته لها بالعنف، بدأ الناتو بزعامة واشنطن تدخلاً عسكرياً في ليبيا في 19 أذار من العام نفسه، بذريعة حماية المدنيين، واستمر تدخل الناتو 8 أشهر قتل خلالها آلاف المدنيين الليبيين، وفوق ذلك تم إدخال ليبيا في حالة من الصراع الداخلي الذي ما يزال مستمراً حتى اللحظة.

خامساً: الكونغو (1996-2003)

خلال حربي الكونغو الأولى والثانية، تم ارتكاب مجازر واسعة النطاق، وجرى تدخل دولي عبر نشر قوات حفظ سلام دولية عام 1999، ولكن نشرها لم يغير شيئاً في معادلة العنف التي استمرت بأشكال متعددة وحادة حتى 2003، وما تزال مستمرة حتى يومنا هذا بأشكال أقل حدة، وكأزمة إنسانية متواصلة.

مثالنا السوري!

إضافة للأمثلة الخمسة السابقة، يمكن تعداد أمثلة عديدة أخرى من مناطق متعددة في العالم، ولكن هذه الأمثلة كافية لإيصال الفكرة القائلة بأن التدخلات الدولية تحت مسمى «حماية المدنيين»، أو فكرة «الحماية الدولية» ككل، لم تقدم أمثلةً ناجحةً، بل وفي معظم الأحيان كانت تؤدي لتعميق المشكلات وتضخيمها وإطالة عمر الأزمات.
وفي مثالنا السوري ما بعد 2011، لا يمكن أن ننسى مطالبات البعض ضمن «المعارضة السياسية» منذ عام 2011 بـ«حماية المدنيين» وبـ «التدخل الدولي» ... وماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت إطالة الحرب وتعميقها وتعظيم خسائرها؛ حيث لعبت الدول المتدخلة أدواراً في تعميق الكارثة، وفي تعميق معادلة الاستنزاف.
على أساس هذه الخلفية التاريخية، ينبغي لنا كسوريين أن نتعلم أن الشعار الفضفاض حول «حماية المدنيين» و«الحماية الدولية» ليس حلاً بأي حال من الأحوال، ولن ينقذ الناس ولن يقدم لهم مخرجاً... هل توجد مخارج أخرى؟ نعم توجد، وهي بالأساس داخلية، وبالاعتماد على السوريين أنفسهم، وهو ما سنناقشه في مواد أخرى ضمن هذا العدد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1218