هل وطئت الاشتراكية أرض سورية يوماً؟؟
يُطلق الناس أحكامهم على النموذج الاقتصادي الذي يعيشونه، وفقاً لانعكاساته على مظاهر حياتهم الاجتماعية المختلفة، ولا يُعيرون اهتماماً كبيراً للشعارات والأسماء التي يندرج تحتها ذلك النموذج، بل يكتفون بشتمها سراً وجهاراً، كلما ابتعدت عن مصالحهم وحاولت الاستخفاف بهم. وفي السياق ذاته كان للسوريين الحق الكامل بأن يتذمروا، بل وحتى أن يرفضوا «اشتراكية» مزعومة عاشوها، وما هي في نهاية المطاف إلا قطاع عام منهوب، ومستوى معيشة يستمر بالتدهور. هكذا خَبِروا «الاشتراكية» التي قيل لهم في المدارس ووسائل الإعلام: إنهم كانوا يعيشونها.
خَبِر الشعب السوري مسوخاً من التطبيقات الاشتراكية، في ظل ما سمي اقتصاداً موجهاً.. ولكن في أي اتجاه؟
ما ثبت على الأرض، أنه ذاك الاتجاه الذي سبب انتفاخ برجوازية المكاتب، التي تسمى برجوازية بيروقراطية، محولة إياهاً إلى وحوش منفلتة من العقال، تسمى قوى السوق الطفيلية، استولت على مراكز القرار تباعاً، ولا بد أنها سرعان ما ستبحث عن معادلها السياسي المناسب..
قطاع «عام»
تحت مسمى القطاع العام، كُتبت سطور «الاشتراكية السورية». ولكن هل كان القطاع العام في سورية قطاعاً عاماً؟
من المعروف أن للقطاع العام ثلاثة أركان يكتمل بها توصيفه:
ملكية الشعب لوسائل الإنتاج، والدولة هي من يدير هذه الملكية.
توزيع الثروة المنتَجة لصالح المجتمع بطريقة مباشرة عبر الأجور، وغير مباشرة عبر الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وغيرها.
رقابة المجتمع على القطاع العام، اعتباراً من الإنتاج وتطويره حتى توزيع ثروته.
في سورية، تم التخلي عن البندين الثاني والثالث تدريجياً لمصلحة الإدارات الفاسدة في القطاع العام، وقوى الظل المتربعة خلفها، الذين اغتنوا بسرعة البرق، تاركين فتات المكاسب للناس، وتولوا هم أنفسهم مهام الرقابة والتفتيش في مسرحية تطال غالباً بعض العمال هنا وهناك، وتُبقي المفاصل الأساسية محمية بحكم موقعها السياسي، وتالياً، أصبح البند الأول، بند ملكية الشعب لوسائل الإنتاج، مجرد مادة دستورية شكلية تُضاف إلى سجل الخروق الدستورية الأخرى.
ذلك كله فرّغ «القطاع العام» من محتواه، وحوّله إلى قطاع دولة رأسمالي كبير في حياة البلاد، يمارس النهب المقونن، إلى أن جاء وقت ضاقت به جدران الاشتراكية المزعومة على ثروات من أثرى، وصاروا هم أنفسهم يطالبون بترك القطاع العام يموت، مستعجلين دفنه في محاولة لتبييض أموالهم عبر خصخصة القطاعات المنهوبة، دون حساب للمسؤولين عن تخسيرها، متهمين السياسات الاجتماعية السابقة- على تواضعها- بتأخير عجلة النمو والتسبب في العجز الاقتصادي. ذلك التشويه كله الذي طال المفهوم، جعل الناس يحجمون عن الدفاع عن «القطاع العام» كناطق رسمي باسم الاشتراكية، كما جردهم من إمكانية طرح الاشتراكية كبديل للنموذج الاقتصادي الليبرالي السابق...
تفرض الوقائع اليوم على الشعوب أسئلة عديدة، وتجعلها مضطرة لأن تصيغ بدائلها الاقتصادية، وأوجزت الشعوب حين قالت: عدالة اجتماعية. تلك العدالة هي الاشتراكية الحقيقية، الاشتراكية التي يتمثل قانونها الأساسي في الإشباع الأعلى للحاجات المادية والثقافية المتنامية للمجتمع بكامله.
الاشتراكية، هي التحكم الواعي بالعمليات الاقتصادية بغية تحسين أوضاع الناس الاجتماعية؛ عبر سياسات تصب في مصلحتهم من صحة وتعليم وتأمين فرص عمل...الخ.. يؤمن مواردها قطاع عام، عام في توجيه ثروته للصالح العام، عبر خطط تضعها الدولة لتحقيق أعلى نمو وأعمق عدالة اجتماعية.
اليوم، لن تنفع الشعارات أحداً، وإن نفعت أولئك الذين لم يجربهم الناس بعد، فإنها بالتأكيد لن تنفع النظام الذي جربه الناس طويلاً.. لذا فإن على النظام الانتقال بل الانعطاف، نحو سياسات جذرية تصب في مصلحة الأغلبية الساحقة من الشعب السوري، وعلى رأسها وقف المهزلة الليبرالية، ومهزلة الانفتاح والبدلات الرسمية للمؤتمرات الاقتصادية الدولية ومؤسساتها النهّابة، والذهاب على الفور نحو سياسات اشتراكية حقيقية، فالشعب السوري، وإن لم يقلها بعد، فما يريده وما يتطلع إليه هو حياة كريمة ووطن كريم.. وتلكم هي الاشتراكية!
- (نشرت هذه المقالة في العدد رقم 495 من قاسيون بتاريخ 26 آذار 2011 ونعيد نشرها هنا للتذكير بمواقفنا، ولأهميتها الراهنة)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1210