«سياحة ثورية»
ليس من حق أحد أن يحرم السوريين الذين اضطروا للخروج من بلادهم من العودة إليها، ومن التعبير عن سعادتهم بالعودة... هذا أمر مفروغ منه.
لكن هنالك جانباً آخر سلبياً لهذه «الأفراح»؛ نقصد على وجه الخصوص ما يمكن تسميته بـ«السياحة الثورية» التي يقوم بها عدد من الناشطين والإعلاميين والسياسيين، الذين يقومون بجولات سياحية واسعة ومكثفة وسريعة، من الصورة الضرورية أمام السيف الأموي إلى فنجان القهوة والعراضة في مقهى الروضة ومروراً بالحميدية وغيرها من معالم دمشق الأساسية ومن معالم محافظات أخرى في سورية، وطبعاً في كل محطة من المحطات لا بد من صورة على فيسبوك.
المحزن في المسألة، أن قسماً مهماً من هؤلاء «السياح» هم فعلاً سياح، ويتعاملون مع البلاد تعامل السائح؛ فمعظمهم لا يفكر بالعودة للاستقرار في البلاد والعمل على بنائها والعيش بين أهلها، وإنما يقومون بما يرونه «واجباً ثورياً» عبر إثبات حضورهم، رغم أنهم بمعظمهم غير معرضين لمخاطر أمنية من أي نوع... أما حياتهم الطبيعية فباتت مستقرة تماماً في بلدان أخرى، وكذلك أعمالهم وعائلاتهم.
مرة أخرى، لا يمكن لوم الناس الذين اضطروا للخروج من البلاد، ومن الجيد أنهم استطاعوا تأمين استقرار في بلدان أخرى، ولكن من الضروري جداً، إن أرادوا أن يعملوا بالشأن العام في سورية، وأن يقدموا أنفسهم كثوريين حقيقيين، أن يشعروا بمآسي الناس وهمومها الهائلة؛ كل الشعب السوري فرح برحيل الطاغية، ولكن الجزء الأكبر منه غابت الابتسامة عن وجهه بعد أيام قليلة، يمكن لمن يسير في شوارع دمشق وحلب وكل المحافظات السورية أن يرى التعب وسوء التغذية على وجوه الناس، وأن يرى حجم الهموم والمتاعب اليومية التي يعيشونها... السوري حتى يومنا هذا يعيش نضالاً يومياً شاقاً وقاتلاً من أجل لقمة الخبز وحبة الدواء ومن أجل التعليم والصحة والكهرباء والغاز والمازوت والتدفئة... من يريد أن يمثل هؤلاء عليه أن يفرح بما جرى، ولكن عليه أيضاً أن يجهز أكتافه للحمل الثقيل... أمامنا مشاكل كبرى تحتاج لحلول، والحلول لن تكون سهلة ولا فورية ولا استعراضية... العودة والاستقرار في البلاد ليست أمراً سهلاً، فالظروف صعبة، وصعبة جداً، ولكن البلد الآن بأشد الحاجة للكفاءات ولأبنائها الذين تمكنوا من تأمين أمورهم في الخارج، وهي ليست بحاجة لصورهم مع السيف الأموي، ولجولاتهم السياحية، ولكنها بحاجة لجهودهم وكفاءاتهم كي يضعوها مع كفاءات أبناء البلد المتعبين ولكن الصابرين والمستعدين للعمل الجاد ولتحمل الشقاء والظروف الصعبة للنهوض من جديد...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1209