منتهزاً «فرصة العمر» الرجل الاقتصادي الأول لبشار الأسد يُطل برأسه مُجدداً

منتهزاً «فرصة العمر» الرجل الاقتصادي الأول لبشار الأسد يُطل برأسه مُجدداً

يعود عبد الله الدردري، الرجل الاقتصادي الأول لنظام بشار الأسد خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2011، بصفته رئيساً لهيئة تخطيط الدولة، ثم نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ليظهر اليوم مجدداً في المشهد السياسي والاقتصادي، معلناً- في لقاء مع مجموعة من رجال الأعمال السوريين في الإمارات، يوم 24 كانون الأول 2024 - أنه سيتوجه إلى دمشق ليتحدث إلى القيادة الجديدة، ويعرض عليها «حزمة من المشاريع التي تساعد على تلمس كيفية التخطيط ووضع الرؤية»، حاثّاً رجال الأعمال على أنهم هم من يجب أن يبنوا محطات الكهرباء، ومحطات المياه، والمدارس والجامعات والطرق، و«هذا كله من خلال الاستثمار الخاص أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو عقود BOT… لدينا حكومة لا تملك المال، لا خيار أمامها إلا سبيلين: الغرق في الديون، أو تنشيط الاستثمار» معتبراً ذلك «فرصة العمر»، وواعداً إياهم بـ«فرص استثمارية قيمتها 100 مليار دولار».

يتوعدنا الدردري إذاً، باستكمال السياسات الكارثية التي كان عراباً لها في العقد الأول من الألفية الجديدة. تلك الفترة التي وُصفت زوراً بمرحلة «الإصلاح الاقتصادي» لم تكن سوى غطاءً لنهب الموارد الوطنية، وتكريس الفساد الكبير، وضرب أسس الاقتصاد الإنتاجي السوري، ومعه معيشة الناس.
ظهرت مفاعيل هذه السياسات منذ تسلم الدردري منصبه كرئيس لهيئة تخطيط الدولة في عام 2003، حيث أطلق هو ورئيس الوزراء آنذاك، محمد ناجي عطري، إشارات واضحة بأن «دور الدولة الأبوي» الذي يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم للسوريين «لن يستمر»، وأن النظام الاقتصادي يتجه نحو ما أطلق عليه «اقتصاد السوق الاجتماعي»، الذي لم يكن في جوهره سوى تطبيقاً للنيوليبرالية، ولإملاءات صندوق النقد الدولي.
بدأت تلك السياسات بتحرير القطاع المصرفي والسماح بإنشاء بنوك خاصة. كان الهدف الذي صدّع الدردري به رؤوس السوريين هو «جذب الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد»، لكن ما هي النتيجة؟ استغل رجال الأعمال الطفيليون والنخب المرتبطة بالنظام هذه الفرصة لتهريب الأموال إلى الخارج، هذه الأموال التي كان ينبغي أن تضخ في القطاعات الإنتاجية لدفع النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، أُهدرت خارج البلاد، تاركة الاقتصاد السوري يعاني من نقص السيولة وضعف الاستثمار.
بشّرنا الدردري سابقاً بتقليص دور الدولة في الاقتصاد، عبر تخفيض الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية الحيوية، مثل: الصحة والتعليم. وبالفعل، انخفض الإنفاق على الصحة من 7% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2005 إلى 5% فقط في 2010. وفي وقت واجه فيه المواطنون ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع والخدمات الأساسية، رفعت الحكومة، أسعار المازوت بنسبة 275% والبنزين بنسبة 100%، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج وأسعار المواد الغذائية، دون تقديم تعويضات كافية أو فعّالة للأُسر المتضررة، بحجة نقص الموارد.
في الريف السوري، الذي يعتمد اقتصاده بشكل رئيسي على الزراعة، شكلت السياسات الحكومية التي روّجها الدردري الضربة القاضية، فتراجعت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 25% في التسعينيات إلى أقل من 10% بحلول عام 2010. وتزامن ذلك مع موجات من الهجرة والبطالة في المناطق الريفية.
ومع فتح الباب على مصراعيه للاستيراد، وهو ما كان يعمل عليه الدردري وأمثاله، أغرقت البضائع الأجنبية الرخيصة الأسواق السورية، مما أدى إلى إغلاق آلاف المصانع والورش السورية، التي لم تستطع المنافسة في ظل غياب أي سياسات حماية حكومية. وتراجعت مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 3%، بينما ركزت الاستثمارات الخاصة على القطاعات ذات العوائد السريعة، مثل: العقارات والخدمات، متجاهلة القطاعات الإنتاجية طويلة الأجل.
ومن «الآثار الجانبية» لوصفات الدردري، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكلٍ حاد، حيث بلغت نسبة الفقر 33.5% عام 2007، وارتفعت إلى 62% في المناطق الريفية بحلول 2010. وأكثر من ستة ملايين شخص عاشوا تحت خط الفقر الأعلى، في الوقت الذي توقفت فيه الأجور الحقيقية عن النمو، وانخفضت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي من 32% في 2000 إلى 25% فقط في 2010. جرى ذلك كله بينما كانت النخب الطفيلية، المرتبطة بالفساد الكبير، تستفيد من تخفيض الضرائب على أرباح الشركات، حيث انخفضت من 63% في 2003 إلى 15-27% في أعوام 2005-2010
ذلك كله قاد إلى نتيجة حتمية: اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث دفع الفقراء وحدهم، وهم أبناء الـ90% من الشعب السوري، ضريبة شعار الدردري «دعوا الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو!»، دفعوها من حياتهم ومستوى ومعيشتهم، ولاحقاً بدمائهم خلال سنوات انفجار الأزمة التي أشعل فتيلها سياسات الدردري.
التصريحات التي أدلى بها الدردري أمام رجال الأعمال في الإمارات، بالدعوة إلى استكمال خصخصة الخدمات والبنية التحتية تعني شيئاً واحداً: «شفط» الثروة مجدداً من الفقراء إلى الأغنياء، عبر تحميل الفقراء تكلفة بناء اقتصاد منهار، بينما تراكم النخب الاقتصادية المزيد من الثروات. وعليه، تنتصب أمام السوريين «المعترين» أبناء الـ90% مهمة التصدي لمحاولات الدردري استكمال تدمير الاقتصاد السوري، وإفشال هدفه بأن يكون «رجل المراحل جميعها».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1207