سورية على الطريق الجديدة… السوريون غالبون كلهم!
مع بدء الحركة الاحتجاجية في سورية في آذار 2011 اجتمعت هيئة تحرير جريدة قاسيون الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية في دمشق، وهناك اتخذ القرار بفتح ملف بعنوان «سورية على مفترق طرق» كان الهم الأساسي في حينها أن يتحمل الحزب مسؤوليته السياسية، ويقدم لجمهوره حصيلة خبرته السياسية، ورأيه في القضايا المختلفة، استناداً إلى منصة علمية رصينة، وفي ذلك الوقت انكبت كوادر الحزب الشابة على كتابة عشرات المقالات لنقاش القضايا الأساسية المطروحة، لكن صوت السلاح دفع ملايين السوريين للانكفاء مجدداً، والابتعاد المؤقت عن العمل السياسي، ومع تعقد الأزمة ضاقت فسحة الأمل، وجرّفت البلاد من أهلها، وظل الباقون فيها جالسين ينخرهم اليأس... أما اليوم، وقد سطعت الشمس مجدداً، ودفّأت العظام الباردة، فإننا نواصل من منبر «قاسيون» وحزب الإرادة الشعبية من خلفها، وعبر الأقلام الشابة بشكل أساسي، طرح مجموعة من المسائل أمام السوريين، علّها تركّز الضوء على المخرج الوحيد من أزمة وطنية وسياسية عميقة، جثمت فوق صدورنا لسنوات... سعياً وراء انتصارات أكبر قادمة... لأن أجمل الانتصارات هي تلك التي لم تأتِ بعد...
«الشعب السوري ما بينذل»
عرف السوريون شعاراً رُفع بدءاً من احتجاجات آذار 2011 حين صرخ السوريون قائلين: «الشعب السوري ما بينذل»؛ لكن الشعار الذي ردده الآلاف جرى استخدامه سابقاً في شباط 2011 حين تجمهر عشرات في سوق الحريقة في دمشق يهتفون «حرمية… حرمية… حرمية» قبل أن يصيح أحدهم قائلاً: «الشعب السوري ما بينذل»، وقبل ذلك مرات عديدة كانت إحداها أمام البرلمان قبل ذلك بسنوات، وتحديداً في أحد الاعتصامات التي كانت تملأ شوارع دمشق نصرة للقضية الفلسطينية ورفضاً لاحتلال الجولان السوري...
هكذا، حمل الشعار بعداً مركباً في ذاكرة السوريين، فكان صالحاً للتعبير عن قضيتهم الوطنية الأولى في استعادة الجولان، وإنهاء تهديد المشروع الصهيوني، وكان صالحاً أيضاً لرفض سياسات الإذلال كلها، من أعداء الداخل، وتحديداً حيتان الفساد الكبير.
آلام السوريين لم تكن قابلة للتجزئة، وهم الذين ورثوا العزة والكرامة وحب الوطن عن آبائهم المؤسسين، مثل: يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط ومحمد الأشمر ورمضان باشا شلاش وإسماعيل باشا الحريري. السوريون يدركون أن «إسرائيل» لم ترد لهم الخير يوماً، ويدركون أيضاً أنها أول من حاول سرقة فرحهم بعد سقوط السلطة الفاسدة، وهم لذلك يعدون العدة لبناء وطنهم، عزيزاً كما يريدون، وهم على يقين أن ذلك لن يتم إلا مع استعادة آخر ذرة تراب من أراضيهم المحتلة، ليلتم شملهم أخيراً...
الأمن والأمان
لا يختلف اثنان حول ضرورة الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي في سورية التي تعيش ظرفاً شديد الحساسية. وعملية الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي، ينبغي أن تنطلق من فهم المنهج والطريقة التي اتبعتها السلطة السورية الساقطة، للابتعاد عنها وتجنب تكرارها؛ فمفهوم الأمن لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة تتعلق بالقدرة على الضبط والقمع تحت مسمى «الحلول الأمنية»؛ حفظ الأمن يحتاج بطبيعة الحال إلى هذه الدرجة أو تلك من استخدام القوة، ولكن على هذه القوة أن تكون محصنة بإجماعٍ شعبي واسع حولها، وبرضا عامٍ من الناس، وبالاعتماد عليهم بالدرجة الأولى...
هذا أحد جوانب المسألة، أما الجانب الآخر الأكثر أهمية، وفي إطار تحقيق الرضا الاجتماعي المؤدي إلى سيادة الأمان الاجتماعي، هو الوضع المعيشي والاقتصادي للناس، والذي يجب أن يتم إيلاؤه الاهتمام والعناية كلها، بحيث يتم توجيه طاقات المجتمع والدولة لمصلحة الغالبية الساحقة من السوريين، المفقرين والمضطهدين وضد مصلحة الناهبين أياً تكن الطرابيش التي يلبسها هؤلاء.
عملية نهب وإفقار وتهميش وظلم ملايين السوريين خلال العقود الماضية، هي من وضعت الأساس للانفجار الكبير الذي شهدناه... وهؤلاء تحديداً، أي المهمشون، ينبغي أن يتأكدوا أنهم جزء من المجتمع السوري، ويجري استثمار طاقاتهم الكبيرة بمشاريع إعادة إعمار والإنتاج الوطني، بما يكفل دفعهم من هامش الحياة إلى مركزها؛ فالخطوة الأولى لعلاج مسألة الأمن ينبغي أن تتجه إلى عوامل عدم الاستقرار كلها داخل المجتمع، وعلى رأسها القضاء على الفقر وحل مشكلة البطالة، عبر إعادة توزيع عادلة للثورة.
الجانب الإضافي شديد الأهمية في موضوع حفظ الأمن والأمان، هو إحساس المجتمع بأنه مشارك حقاً في السلطة وفي اتخاذ القرار، وهذا لا يمكن أن يتم عبر «نظام الحزب الواحد»، بل يحتاج إلى حوار وطني شامل يضم القوى السياسية والمجتمعية كلها، ويجمع جهود وطاقات الشعب السوري دون استئثار من أحد أو جهة، لتصب الجهود كلها في مصلحة سورية وشعبها...
لا غالب ولا مغلوب
منذ أن انفجرت الأزمة السورية في آذار 2011 انقسم فقراء سورية إلى فريقين متضادين «الموالاة / المعارضة»، واستثمرت الطغمة الفاسدة في النظام والمعارضة هذا الانقسام وعمقته، وأشعرت كل طرف أن التفاهم مع الطرف الآخر مسألة مستحيلة، وعلى هذا الأساس وعد أمراء الحروب وداعموهم في الخارج السوريين والمتخندقين بالنصر على إخوتهم في الطرف الآخر.
في ذلك الوقت بالذات، وفي الخنادق وميادين القتال، لم يستطع كثير من المقاتلين تجاهل أن من يقف أمامهم هم سوريون، وقدمّت الأزمة نماذج لن تمحى من ذاكرة السوريين أمثال العقيد مصطفى شدود، والعقيد يوسف الجادر «أبو فرات»؛ فهؤلاء خرجوا لملاقاة إخوتهم وتحدثوا معهم، ولا تزال اللحظة التي رمى فيها شدود سلاحه على الأرض حاضرة في أذهان الملايين، إذ سار إلى الأمام للحديث مع من يقف أمامه وهو يصرخ أنّه سوري مثلهم تماماً، ظلّ صدى كلمات أبو فرات بيننا حتى اليوم عندما قال «والله مزعوج، لأنو هي الدبابات دباباتنا، وهذا العتاد عتادنا، وهي العناصر إخوتنا، والله العظيم كل ما شوف إنسان مقتول منا أو منن بزعل».
كتبت قاسيون في 2016 أن فكرة «لا غالب ولا مغلوب» يجب أن تظل أساس الحل السياسي، على أساس أن تتطبق بين السوريين أنفسهم، فالسوريون كلهم غالبون، ولا يوجد مغلوب سوى أعداء سورية وسيادتها وحدتها أرضاً وشعباً.
نصرٌ للسوريين جميعهم
مع هروب السلطة السابقة، تأمّل السوريون جميعاً طي صفحة الماضي والذهاب إلى مستقبلٍ قادم يثبت أنهم شعبٌ واحد، وتحديداً أن فرار السلطة بهذا الشكل أنهى واحدة من أكثر القضايا الخلافية بين السوريين، لكن طريقة تطور الأحداث منذ بدء المعركة في حلب والتسارع الشديد في الأحداث، سبب تشويشاً لدى البعض، الذي رأوا أن ما جرى كان انتصاراً لجزء من الشعب على جزء آخر!
واقع الأمر يقول غير ذلك: جرى دخول دمشق دون إطلاق أي رصاصة ما عدا تلك التي أطلقت للاحتفال في صباح الأحد 8 كانون الأول، أي أن ظرفاً سياسياً داخلياً وإقليمياً ودولياً ساهم بشكل ملحوظ في إزاحة السلطة الفاسدة دون صدام عسكري حقيقي، ولكن داخل المجتمع السوري اليوم من يعتقد أنه حقق نصراً لا على السلطة السياسية السابقة فحسب، بل على جموع كبيرة من السوريين الذين اصطفوا في مكان آخر تحت ضغوط مركبة.
الاختبار الحقيقي بدأ مع هروب بشار الأسد ومن لف لفه، فإما أن يشعر السوريون جميعاً أنهم في وطنهم، وأنّهم جميعاً مستعدون للتصالح مع الماضي عبر عدالة حقيقية تحاسب المجرمين عبر قضاء سوري مستقل، نزيه وعادل يقود لفتح صفحة جديدة، وإما أن ننتقل إلى مرحلة يتبدل فيها وجه القامع ويبقى القمع؛ فالغالبية العظمى من السوريين رزحت تحت القمع والإفقار، وهم اليوم شركاء في بناء مستقبلٍ كريم لهم جميعاً...
حي مزة ٨٦: مبادرة أهلية تستحق التقدير
إثر مظاهرة غير منظمة، قام بها بعض أهالي حيّ مزة ٨٦، ارتفعت مخاطر الصدام الأهلي مع الأحياء المجاورة المحيطة، وكان الوضع على وشك الانزلاق إلى حالة كبيرة من الفوضى.
لكن رغم ما حدث، كان الوعي حاضراً، وانتزع وجهاء الحي المبادرة، وشكلوا على وجه السرعة وفداً ممثلاً عن الحي، وأنقذوا الحي والأحياء المجاورة له من الذهاب باتجاه مخاطر كبرى كادت تصل حدّ الاقتتال الأهلي.
قام الوفد بالاجتماع مع مسؤولي الهيئة في الحي، والتوافق معهم على حل الأزمة الحاصلة ودرء الفتنة، وسرعان ما ظهرت النتائج الإيجابية للقاء بسحب الأرتال العسكرية التي كانت محيطة بالحي.
خلق ذلك نوعاً من الارتياح لدى أهالي الحي، وتمكّن أعضاء الوفد من إقناع الأهالي بتسليم ما تبقى من سلاح، وسمعوا مطلبهم بأن تكون الحواجز مشتركة، وتتضمن أفراداً من أهالي الحي.
هذا كله، يظهر أهمية دور العقلاء ووجهاء المجتمعات المحلية بانتزاع زمام المبادرة ولعب الدور المطلوب في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها البلاد، وأثره الكبير في إنهاء الفوضى وتقويضها، ويقدم هذا الحدث مثالاً واضحاً على أن السوريين مستعدون لأداء دورهم الوطني في تدعيم السلم الأهلي، وهم لذلك طرف لا يمكن تجاهله في المرحلة المؤقتة.
فلنؤمم شركات الخليوي!
تعد الحكومة المؤقتة بزيادات في الرواتب قد تصل إلى 400%، وتقف أمامها، وأمام الحكومة الانتقالية والحكومات التي ستليها، عوائق كبرى؛ ليس لتحقيق هذا الوعد فقط، بل ولتحقيق أي نموٍّ اقتصادي مترافق مع العدل الاجتماعي... فموارد الحكومة ضعيفة جداً، وزيادة الرواتب دون موارد حقيقية ستكون مشابهة لـ«مكرمات بشار الأسد» التي كانت الناس تتعوذ من شرها، حيث كانت تترافق مع ارتفاعات بالأسعار تصبح معها قيمة الرواتب بعد الزيادات أقل منها قبلها.
ليس من المنطق أيضاً، أن نعتمد بشكلٍ أساسي، لا على الديون الخارجية ولا على المساعدات، ولا على وهم رفع العقوبات القريب؛ فهذه أمور كلها مشروطة سياسياً، ولا يمكن الاستناد إليها لبناء اقتصاد وطني مستقل.
طرح حزب الإرادة الشعبية علناً، ومنذ ما قبل 2011، ضرورة تأميم شركات الاتصال الخليوي، التي كانت أرباحها الفلكية تصب في جيوب أصحاب السلطة عبر رامي مخلوف وغيره؛ لأن هذه الشركات تحتاج تكاليف تشغيل بسيطة مقارنة بعائداتها الكبيرة.
واليوم، نعيد طرح ضرورة تأميمها، أي أن تصبح ملكية للدولة، وعبر الدولة ملكية للشعب. وكي لا يتذرع أحد بموضوع الفساد، فإنه من الممكن تماماً أن تكون ملكية الدولة لقطاع الاتصالات ككل ملكية شفافة تخضع للرقابة الشعبية بحيث يتم إلزام الدولة بكشف البيانات المالية كلها لهذه الشركات أمام الشعب السوري، والاستفادة من عائداتها في رفد الميزانية لتأمين الخدمات الضرورية للناس، وبأسعار منطقية.
اعتادت السلطة السابقة على حل مشاكل الميزانية عبر نهب جيوب السوريين، والفقراء منهم بالدرجة الأولى، وتغيير النظام تغييراً حقيقياً يعني إنهاء حالة النهب المستمرة للشعب السوري، ويمكن لتأميم شركات الخليوي أن يتحول إلى نقطة علام في الانتقال نحو نموذجٍ جديدٍ يصب في مصلحة الغالبية الساحقة من السوريين... ولذا، فلنؤمم شركات الخليوي!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1207