ما الذي يحاول إعلام الكيان إقناع جمهوره به... حول لبنان؟

ما الذي يحاول إعلام الكيان إقناع جمهوره به... حول لبنان؟

تطرقت قاسيون في مادة نشرتها قبل أيام، بعنوان «لماذا يكثر الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان؟» إلى ارتفاع نبرة الحديث عن وقف قريب لإطلاق النار في لبنان، عقب زيارة للمبعوث الأمريكي هوكشتين إلى بيروت وتسريبات لمسودة اتفاق من المفترض توقيعه بوساطة أمريكية، يتم الوصول من خلاله إلى وقف لإطلاق النار وانسحاب لقوات الكيان من جنوب لبنان. ولخصت المادة المشار إليها أهداف الحديث عن إطلاق النار، وخلصت إلى أن «الحديث عن وقف إطلاق النار... ما يزال حديثاً صعب التحقيق في أي وقت قريب... ما لم تحدث اختراقات كبرى تغير منظومة الإحداثيات بأسرها... سلباً أو إيجاباً!». أمّا في هذه المادة، فنحاول المرور على عدد من المقالات التي وردت في إعلام الكيان خلال الأسبوع المنصرم، وما قالته حول حرب الكيان على لبنان والتي دخلت شهرها الثاني، والآراء حول الاتفاق المفترض الذي يتم الحديث عنه.

مقتطفات من إعلام الكيان

في مقالة نشرها موقع «قناة N12» في 27 تشرين الأول المُنصرِم، بعنوان «الليطاني لن يمنحنا الأمان»، يقول الكاتب، والذي كان مدير «الموساد» من 2011 وحتى 2016: «حتى هذه اللحظة، تطالب حكومة (إسرائيل) بـ «منطقة آمنة» حتى نهر الليطاني كأمر واقع، لأن أمان السكان مشروط بعدم وجود حزب الله جنوبي النهر. لا يوجد خطأ أكبر من هذا... منذ بداية المناورة البرية، نقل الحزب الحربَ إلى منطقة «العمق القريب» من نهاريا حتى منطقة حيفا. إن إطلاق النار الكثيف، باستعمال أدوات مختلفة، حوّل هذه المنطقة إلى منطقة حرب. علينا القول إن اختيار هذا الحل يمنح الأمان الجزئي فقط من الاجتياح البري على خط التماس عدة كيلومترات من الحدود، ويمكن أن يحوّل ثلث (الدولة) إلى منطقة حرب... فرنسا والولايات المتحدة مستعدتان اليوم للدفع إلى إنهاء الحرب بثمن ممنوع أن ترضى به (إسرائيل). حكومة (إسرائيل)، ولأسباب غير مبررة، مستعدة للتنازل في مجال استمرار عمليات حزب الله المستقلة في لبنان، إذ توافق فعلياً على استقلالية عمل إيران من داخل لبنان».
تقول مقالة في «يديعوت أحرونوت» في 28 تشرين الأول الماضي: «في تشرين الأول 2023، بدت (إسرائيل) كأنها غير مستعدة لسيناريو متعدد الجبهات. مثلما حدث في «يوم الغفران»، قبل 50 عاماً، وعلى الرغم من كل الألم والصدمة، فإن الجيش (الإسرائيلي) تمكن من التعافي من الكارثة، ودمّر «حماس» عسكرياً في الجنوب، وهو يدمر الآن حزب الله في الشمال. ولا يمكن الحديث عن النصر، ما دام المخطوفون في غزة، لكن يمكن بالتأكيد الحديث عن هزيمة... في مثل هذا الوضع، من الطبيعي أن يكون التوجه في تحديد الإنجاز العسكري بالبقاء في كل نقطة وصلنا إليها في غزة، وفي الجنوب اللبناني. «كيف تعيدون لهم الأرض، بعد كل التضحيات والقتلى، بتسوية سياسية؟ لقد سبق أن شهدنا ذلك، في غزة، وفي لبنان». هذه هي المواقف التي نسمعها من كل اتجاه... مَن يحلم بالسيطرة على منطقة فاصلة حتى الليطاني، مع حُكم عسكري ومستوطنات في غزة، والدفاع عن المستوطنات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى القوات المطلوبة في هضبة الجولان، وفي وادي الأردن، والجبهات المتوقعة في مواجهة الميليشيات العراقية، يعيش في عالم موازٍ للواقع. ليس لدينا ما يكفي من الفرق العسكرية... وليس لدى (إسرائيل) القدرة على تحمُّل هذا العبء. هذه الأحلام واهية... لم يبقَ في لبنان مَن يلقي خطابات، ويتحدث فيها عن خيوط العنكبوت. الدمار في بيروت والجنوب أكبر من الدمار في مستوطناتنا الشمالية. وستكون لهزيمة حزب الله أصداء أُخرى، وسيطرة الحزب على الدولة ضعفت. لقد نضجت الأرضية من أجل تسويات جديدة».
مقالة في «معاريف» في 31 تشرين الأول الماضي تقول في بدايتها: «في الجنوب اللبناني، كان المطلوب من الجيش العمل على إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. وكانت مهمة الجيش منع حزب الله من اجتياح الحدود (الإسرائيلية) واحتلال الجليل وتنفيذ «مذبحة وقتل» في بلدات الشمال. الهدف الثاني كان منع إطلاق القذائف المضادة للدروع وقنص سكان الجليل. حتى الآن، التزم الجيش خطة القتال والتقديرات أنه سيستكمل المهمة خلال أسابيع. نجح الجيش في نزع قدرات حزب الله الهجومية واللوجستية والقيادية، وليس فقط قدراته على خط التماس». ولكن في نهايتها تقول: «الأيام القريبة دراماتيكية. سيحاول بايدن التوصل إلى اتفاق أولي قبل الانتخابات الرئاسية. وبالإضافة إلى الضغوط التي تم تفعيلها اليوم، فإن الضغط سيزداد مع وصول المبعوثَين الأمريكيَّين إلى المنطقة. السؤال الآن هو عمّا إذا كنا سنتوصل إلى اتفاق منسَّق لوقف إطلاق النار في الجبهتين وإعادة المخطوفين؟ أم اتفاق وقف إطلاق نار في لبنان؟ أم اتفاق أوّلي على أساس المقترح المصري في غزة؟ ويمكن أيضاً، ببساطة، أن نغرق في وحل الشتاء القريب في غزة ولبنان». من بداية المقالة إلى نهايتها، يتحول التوقع من «تقديرات باستكمال المهمة في لبنان خلال أسابيع» إلى «الغرق في وحل الشتاء القريب في لبنان».
مقالة في «يسرائيل هيوم» في 31 تشرين الأول الماضي، تقول: «لاقى الضغط الأمريكي المتزايد من أجل إنهاء الحرب في الشمال تجاوباً لدى المسؤولين رفيعي المستوى في الجيش، وفي المستوى الأمني، من أجل وقف الحرب، قبل أن تتدهور إلى حرب طويلة في لبنان، وأيضاً لدى المستوى السياسي الذي لا ينوي معالجة مشكلة حزب الله بصورة جذرية... لكن عرض الأمس الذي هدف إلى الهروب نحو اتفاق من دون إخضاع حزب الله، سواء من خلال اتفاق، أو عملية عسكرية، تحوّل إلى مشهدٍ دامٍ من المفاوضات بين المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بايدن الذين زاروا (إسرائيل) وبين نتنياهو وغالانت... لقد وصف سياسيٌّ (إسرائيليٌّ) مخضرم ما يحدث بالسباق مع الزمن: فكلما مرّ وقت أطول على اغتيال نصر الله وتفجير البيجر، كلما قلّصت إنجازاتُ حزب الله الفجواتِ في مواجهة (إسرائيل)... إنّ رغبة المواطنين (الإسرائيليّين) في رؤية نهاية المعركة ورغبة الجيش (الإسرائيليّ) في عدم الغرق من جديد في الوحل اللبناني في الشتاء، يجب أن نأخذها في الحسبان. لكن يجب عدم الاستمرار في استخدام الوسائل عينها –من نوع اتفاق لا قيمة له– وأن ننتظر الحصول على نتائج مختلفة. لقد كنا نتوقع من نتنياهو وغالانت ورئيس الأركان استخدام أسلوب عمل مختلف، وليس عملية «تنظيف» للقرى المحاذية للسياج الحدودي، بل إزالة التهديد الصاروخي لأراضي (إسرائيل)، وليس التهديد بحرب طويلة لا فائدة منها... إنهاء الحرب من دون تحقيق الأمن لسكان الشمال هو تعريض كلِّ مَن يجرؤ من السكان على العودة إلى منزله، في ظل وعود فارغة، لِما حدث في غلاف غزة».

1199-18

مقالة في «معاريف» في 1 تشرين الثاني الجاري تقول حول حزب الله في مقدمتها: «لقد تعرضت المنظمة الشيعية لضربات قاسية، ولكن على عكس التسريبات من (إسرائيل)، فإنها بعيدة كل البعد عن الانهيار. ففي حين ينتظر الملايين على جانبي الحدود تسوية، يستعد حزب الله لصراع طويل». وتضيف المقالة: «تجد (إسرائيل) صعوبة في فرض الترتيب الذي تريده على حزب الله، إذ يستعرض التنظيم المتمرد عضلاته ولا يستجيب لمطالب «القدس»... وتسعى (إسرائيل) من خلال المفاوضات إلى منح نفسها مجال عمل في لبنان لم يكن متاحاً لها منذ سنوات... إن حزب الله وشعبه يتوقون إلى وقف إطلاق النار، ولكن ليس بأي ثمن. وعلى النقيض منا نحن الذين نعتقد أن حزب الله على وشك الاستسلام، فإن النهاية في نظرهم ما زالت بعيدة، إن كان هناك نهاية على الإطلاق... إن حزب الله ليس لديه خيار سوى أن يقول «لا» لقائمة المطالب (الإسرائيليّة). إن حقيقة أن مقاتليهم يقفون بثبات في مواجهة الجيش (الإسرائيليّ) ويقاتلون يمنحهم مجالاً للعمل يسمح لهم بالرفض. بالنسبة لهم، فإن الموافقة ستعتبر استسلاماً، وهم بعيدون كل البعد عن ذلك... إذا لم يفوزوا، فعلى الأقل سيعلمون أنهم لم يرفعوا الراية البيضاء». وتقول المقالة في نهايتها: «لقد علّمنا الماضي أن أي ميزة نتمتع بها هي ميزة عابرة، لذلك فمن الأفضل أن نستغلها لتحقيق نصر سياسي ولترتيبات تعود بالنفع على (إسرائيل)، ويجب أن تكون (إسرائيل) قادرة على الاستفادة منها. وإذا أضَعْتَ فرصة تشكيل الواقع عندما يكون أعداؤك مهزومين، فقد تضيع الميزة».
نشر موقع «ميدا» مقالة في 1 تشرين الثاني الجاري بعنوان «فشل المناورة المحدودة في غزة ولبنان»، تقول في مقدمتها: «في حين تحقق (إسرائيل) نجاحات مبهرة في الجو، فإن القتال البري في الشمال والجنوب يجري بطريقة قد تعيدنا إلى المربع الأول... إن ما سيحسم الحرب هو نتائج القتال البري، الذي تواصل (إسرائيل) إدارته بطريقةٍ إذا استمرت بها فإنها تؤدي إلى الهزيمة... إن الجيش (الإسرائيليّ) لا ينوي حقاً هزيمة حزب الله. وحتى لو أراد ذلك، فمن الواضح أن القيادة العليا الحالية لا تعرف كيف تفعل ذلك... وتشير الإخفاقات في الساحتين إلى مشكلة منهجية عميقة في مفهوم الجيش (الإسرائيليّ) للقتال. ويتطلب تحقيق النصر في الحملة تغييراً جذرياً على ثلاثة مستويات رئيسية: احتلال الأراضي التي يعمل العدو من خلالها ضد (إسرائيل)؛ وإخلاء تلك المنطقة من الوجود العسكري والمدني للعدو؛ وتغيير أنماطه القتالية على النحو الذي يسمح له بتحقيق هذه الأهداف».
ولإضفاء «شرعية» إضافية لعدم القبول بأي اتفاق لوقف إطلاق النار في الوقت الراهن، من المفيد للكيان أن يكون هناك «مطلب شعبي» بذلك، ولهذا ظهر في الإعلام، بالإضافة إلى التحليلات، عدد من المقالات التي نوّهت إلى أن سكان الكيان الذين هربوا من الشمال المحتل نتيجة الهجمات من جنوبيّ لبنان، طالبوا حكومة الكيان بعدم قبول هذا الاتفاق بشكله الحالي لأنهم «لن يعودوا إلى ديارهم إذا تم تنفيذ الاتفاق»، كما ورد في مقالة نشرتها «معاريف» في 31 تشرين الأول الماضي. وبحسب المقالة، قالوا في رسالتهم: «كما قلنا من قبل، إذا كان هدف الحرب هو تحقيق نصر طويل الأمد، فإن العائلات مستعدة للبقاء خارج المنزل حتى لأشهر إضافية، من أجل منع المذبحة التالية التي تلوح في الأفق... ولن نقبل بوضع تنسحب فيه (دولة إسرائيل)، التي تحتل موقعاً يشكل ضغطاً كبيراً على منظمة حزب الله (الإرهابية)، من الأراضي التي تسيطر عليها داخل لبنان. ولن نقبل بوضع يستمر فيه التهديد لسكان الشمال يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة».
من الواضح أن معظم ما ورد في إعلام الكيان يحاول التأكد من استعداد جمهوره لاستمرار الحرب التي يشنها الكيان على لبنان لفترة طويلة، ومن المنطقي أن يبذل أقصى جهوده لإقناع الجمهور أن هذا الخيار هو الوحيد لدى الكيان، لأنه فعلياً لا يوجد لدى الكيان خيار إلّا أنْ يقوم بذلك لتأجيل إعلان عدم قدرته على تحقيق أهدافه المرجوة في لبنان أو ضد المقاومة في الساحات كافة. ذلك من جهة، ومن جهة أخرى، يحاول الإعلام استباقياً أن يهيِّئ جمهوره لعدم الوصول إلى اتفاق على المدى القريب، ضمن الإحداثيات الحالية.
يمكن فهم هذه المحاولات، حيث إنّ مقالة في «معاريف» في 1 تشرين الثاني الجاري قالت إنّ «استطلاعاً للرأي أجرتْه صحيفة «معاريف» أظهر أنّ نحو نصف (الإسرائيليّين) (%45) يقولون إنّ على (إسرائيل) أن توافق على المخطط الذي يتبلور بشأن إنهاء الحرب في لبنان، و33% يعتقدون أن على الجيش (الإسرائيليّ) أن يبقى في منطقة أمنية، و22% ليس لديهم رأي في هذا الشأن». ما هو لافت للنظر في هذه الأرقام هو أن أياً منها لم يكن داعماً لاستمرار أو توسُّع بقعة الحرب التي يشنها الكيان على لبنان، ولكن ليس واضحاً ما إذا كان ذلك ضمن الخيارات، وبكل الأحوال كان توجه العدد الأكبر نحو موافقة الكيان على اتفاق ينهي الحرب في لبنان، بعد أن كانت استطلاعات الرأي قبل أسابيع قليلة تظهر تأييداً واسع النطاق يقترب من الإجماع على الحرب على لبنان مع إظهار ثقة بإمكانية الانتصار فيها، خاصة ضمن مرحلة النشوة العابرة التي عاشها الكيان بعد الاغتيالات الكبرى التي قام بها... هذا الجو «المتفائل» في أوساط المستوطنين سرعان ما تلاشى مع تصاعد ضربات المقاومة وازدياد تركيزها وتضاعف خسائر العدو، ويبدو أن الإعلام العبري يضع أمامه هدفاً واضحاً لا يتمثل بمحاولة إعادة الرأي العام إلى لحظة النشوة، بل بالعمل على تأخير انقلابه الكامل بالاتجاه المعاكس المطالب بإنهاء الحرب فوراً...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1199