بمناسبة حالات «الاهتزاز» و«الرجفة الدماغية»!
سعد صائب سعد صائب

بمناسبة حالات «الاهتزاز» و«الرجفة الدماغية»!

قُتل اليوم ضابط «إسرائيلي» على الأقل، وجُرِحَ آخرون (وفي تحديث بعد كتابة هذه المادة اعترف جيش الاحتلال –في 2 تشرين الأول 2024- بمقتل 7 ضباط وجنود في معارك جنوبي لبنان وإصابة 7 آخرين جراح اثنين منهم خطرة) في كمينين على الحدود الفلسطينية اللبنانية أثناء محاولات الاقتحام البري باتجاه لبنان. وأمس، أطلق ما يصل إلى 200 صاروخ على مختلف أرجاء الكيان من إيران، وأصابت أهدافاً عديدة وأحدثت أضراراً كبيرة (ونقول أصابت أهدافاً عديدة وأحدثت أضراراً، من جهة لأننا رأينا ذلك رأي العين في فيديوهات عديدة نشرها مستوطنون «إسرائيليون» وقرأناه في الإعلام العبري، ومن جهة ثانية لأننا لسنا ملزمين بـ«الرقابة العسكرية الإسرائيلية» التي من الواضح أنها تمتد خارج حدود الكيان لتشمل آخرين كثر، يتطوعون ذاتياً للالتزام بتلك الرقابة وخدمتها).

يشكل ما جرى اليوم وأمس، مناسبةً جيدةً للوقوف سريرياً على حالات منتشرة إلى هذا الحد أو ذاك من «الاهتزازات» و«الرجفة الدماغية»...
لا نقصد بكلامنا أولئك الذين يتبنون شعار «اضرب الظالمين بالظالمين»، وبالتأكيد لا نقصد أولئك الذين يصطفون بشكلٍ شبه علني مع الكيان؛ فهؤلاء الأخيرون لا رجاء في شفاء منظوماتهم العقلية التحليلية؛ فمنطق عملها بسيط أشد البساطة ومعقد أشد التعقيد في الوقت عينه.
منظومة تحليل هؤلاء تنطلق من النتيجة «المشتهاة» نحو اختراع وتدبيج المقدمات المناسبة... البسيط في هذه المنظومة هو النتيجة، لأنها جاهزة ومحسومة مسبقاً: «إسرائيل» ومعها واشنطن ستنتصران ولا ريب، ستنتصران وأيم الحق... هما رب التطور التكنولوجي والمعرفي، هما قمة العسكرة والاقتصاد والمال، وأي «أحمق» يرفع رأسه في وجههما سيتم طحنه وإنهاؤه، عاجلاً أم آجلاً. أما المعقد في هذه المنظومة، فهو اختراع وتدبيج المقدمات، ومحاولة التوفيق بينها مع تغير الظروف؛ فضمن هذه المقدمات يمكنك أن ترى إيران حليفاً لأمريكا والكيان تارةً، وثانيةً مجرد أداة، وثالثة عدواً... ينطبق الأمر على تركيا وعلى روسيا وعلى الصين والهند وإلخ... يمكن للمقدمات أن تكون كل شيء وأي شيء... كلما أراد جهبذ إيصالك إلى النتيجة نفسها مع كل حدثٍ جديد، أعاد ترتيب الصراع العالمي بأسره بما يناسب نتيجته الأثيرة، بل ولن يصعب عليه أن يقول لك إنه ليس هنالك صراع حقيقي على المستوى العالمي، بل مسرحية تآمرية يتآمر فيها العالم بأسره على مصالح الشعب السوري وفقاً لنظرية سورية عمود السماء التي يتقاطع فيها من حيث يدري ولا يدري مؤيدون متشددون ومعارضون متشددون.
حالات الاهتزاز والرجفات الدماغية، لا تصيب الصنف الذي تحدثنا عنه أعلاه؛ فالسيالات العصبية لدى هذا الصنف بالكاد تتحرك، ووظيفة التفكير تم الاستغناء عنها طوعاً وتركها للذين «يفهمون ويعرفون كل شيء» أي مرة أخرى للغرب الذي لا راد لقدره...
من تصيبهم حالات الاهتزاز والرجفات الدماغية، هم أناس محترمون في قسمهم الأعظم، ويفكرون ويحاولون الوصول إلى نتائج صحيحة، ولكنهم مع ذلك، وأمام كل حدث كبير يهتزون وتهتز قناعاتهم، بل وترتجف عقولهم وأفئدتهم في بعض الأحيان.
بالملموس، نتحدث هنا عمن يرى نفسه معادياً للكيان ولواشنطن، ومناصراً لفلسطين، وانساق خلال الأسبوعين الماضيين مع الحرب النفسية الضخمة التي جرى شنها على جبهتين: أولاً، القول بأن إيران قد باعت حزب الله، وثانياً، القول إن حزب الله نفسه قد تبخر أو أنه على الأقل تلقى ضربة كسرت ظهره وسيصعب عليه أن يقوم منها في أي وقت قريب...
هؤلاء أنفسهم سعداء ومرتاحون اليوم، بعد الضربات الإيرانية وكمائن حزب الله وصواريخه... ولكن ليس هنالك ما يضمن أنهم لن يمروا مرات أخرى بحالة الاهتزاز والرجفة نفسها مع أحداث كبرى قادمة، مع أحداث ستقع بالضرورة ضمن معركة بهذه الضخامة وهذه المصيرية... وإذاً ما العلاج؟
العلاج، للأسف، ليس بسيطاً ولا سهلاً؛ يتطلب الأمر دراسة دؤوبة وفهماً عميقاً للتوازن الدولي كما هو حقيقة، بدءاً ببعده الاقتصادي ومروراً بأبعاده العسكرية والسياسية والثقافية وإلخ بغية فهم الميل العام الذي تسير ضمنه أحداث التاريخ الذي يتشكل أمامنا من جديد؛ التاريخ الذي تتراجع فيه واشنطن وعالمها أحادي القطبية بكل أبعاده، ويتلقى الضربات من كل حدبٍ وصوب... ويتطلب فهماً ودراسة عميقة للتفاصيل والمعطيات على الأرض، بما فيها فهم بنى وتركيبة القوى التي تقاتل ضد الكيان وضد واشنطن، بعيداً عن العواطف والرغبات، الإيجابية منها والسلبية... تلكم هي الوصفة، وينصح معها بمراجعة المقالين التاليين اللذين تم نشرهما خلال ذروة نوبة «الرجفة الدماغية» السابقة: (حول «خذلان» إيران لحزب الله)، و(المعركة مستمرة!)...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1195