افتتاحية قاسيون 1157: الأهداف الحقيقية وراء العدوان على اليمن؟
يستدعي العدوان الأنكلوساكسوني على اليمن، تفكيراً جاداً بأسبابه الحقيقية، وتداعياته المتوقعة، وربما أهم من ذلك كلّه: موضعه ضمن السياق العام للمخطط الأمريكي، بما يخص منطقتنا، وبما يخص الصراع العالمي بأسره.
كما بيّنت افتتاحيات قاسيون ومواد مركز دراساتها سابقاً؛ فإنّ الكلام الأمريكي عن حماية الملاحة في البحر الأحمر، ليس أكثر من كذبةٍ وقحة، ليس فقط لأنّ الحوثيين لم يهددوا الملاحة البحرية إطلاقاً، وإنما هددوا على وجه الحصر الملاحة المرتبطة بالكيان الصهيوني والتي تشكل بحدها الأقصى أقل من 0.01% (1 من 10 آلاف)، من حجم التجارة البحرية التي تمر عبر قناة السويس، بل وأيضاً، لأنّ النتيجة المباشرة للسلوك الأمريكي في البحر الأحمر، هي بالضبط إعاقة الملاحة ضمنه، وصولاً إلى إغلاقها بشكل كامل إنْ استمر التصعيد... وهذه النتيجة واضحة وضخمة التأثير إلى ذلك الحد الذي يصبح التعامل معها بوصفها «أضراراً جانبية» ضرباً من قصر النظر؛ وعلى العكس من ذلك، ينبغي التعامل معها بوصفها هدفاً رئيسياً للنشاط الأمريكي.
وإذاً، فإنّ هذا العدوان جزء من خطة الفوضى الشاملة التي سبق أن تطرقت لها قاسيون في افتتاحياتها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.
في السياق ذاته، يمكننا أن نعدد جملة من الأهداف المركبة التي يسعى الأمريكان لتحقيقها من عدوانهم الأخير، وخاصة عبر الإجابة عن سؤال «من المستفيد؟»، والذي يحمل صياغة مكافئة هي «من المتضرر؟»:
أولاً: طريق الملاحة البحرية المار في البحر الأحمر، هو عقدة وصل أساسية في مجمل التجارة المتجهة من شرق آسيا، ومن الصين خاصة، باتجاه أوروبا. وإعاقته أو إيقافه كلياً، ورفع تكاليف النقل عبره، تحمل بالضرورة ضرراً على كلٍ من دول شرق آسيا، وخاصة الصين، وأيضاً على أوروبا، والتي سينعكس الأمر عندها مزيداً من التضخم وارتفاع الأسعار، ومزيداً من الاعتمادية على الولايات المتحدة، ليس في الطاقة فقط (كما جرى بعد أوكرانيا وتفجير نورد ستريم)، بل وفي جملة من البضائع الأخرى التي ستتحسن تنافسيتها بالنسبة للأمريكي.
ثانياً: كل دول وشعوب العالم ستتضرر من ارتفاعات الأسعار والتضخم الذي سيترتب على عسكرة واحد من أهم طرق التجارة العالمية، وارتفاع الأسعار كما بات معلوماً، هو أحد أهم أدوات الحروب الهجينة، وفي حالتنا، أحد أهم أدوات الفوضى الشاملة.
ثالثاً: محاولة ضرب التسوية السعودية الإيرانية من باب اليمن، وتالياً، محاولة إعادة السعودية إلى الظل الأمريكي المطلق، وربما أهم من ذلك: رفع درجة الحرارة والتوتير تحضيراً لتفجيرها من الداخل.
رابعاً: إذا كانت الأهداف السابقة جميعها متوسطة المدى، فإنّ الهدف الأقرب والأوضح هو مصر، التي تجري عملية تطويقها ورفع الضغوط عليها إلى الحد الأقصى: من السودان التي تقدم فيها بشكل كبير أعداءٌ مباشرون لمصر، وبمعونة أكثر المطبعين وقاحة مع «إسرائيل»- الإمارات، إلى ملف سد النهضة، وفوقه الآن ملف أرض الصومال، وتوقيعها اتفاقاً مع إثيوبيا لإنشاء قاعدة عسكرية للأخيرة تطل على باب المندب، إلى استمرار الضغوط الصهيونية والأمريكية من الشمال بما يخص ملف التهجير، ووصولاً إلى تخفيض عائدات قناة السويس والتضخم العام الذي سينجم عن تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، بوصفهما جزءاً من ضغط اقتصادي مهولٍ يجري تطبيقه على الداخل المصري تحضيراً للتفجير... وهذا ما يظهر من الصورة حتى الآن، وما خفي أعظم.
وإذا كان هذا شأن الولايات المتحدة ومخططاتها، فإنّ هذه المخططات بالذات، تدفع دول وأنظمة المنطقة، التي يشملها كلها التهديد، بشكل أكبر وأشد نحو الاتجاهات التالية:
أولاً: رفع مستوى التعاون البيني، وتخفيض حالة التنازع والتنافر الإقليمي، لمصلحة المواجهة المشتركة للضغوط. ضمناً، ينبغي توقع تحسن العلاقات السعودية الإيرانية على سبيل المثال، على العكس تماماً مما يأمله الأمريكان.
ثانياً: سيتعزز التعاون بين هذه الدول وبين القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، وفي كل المجالات.
ثالثاً: ستندار هذه الدول، تحت ضغط التهديد الوجودي، باتجاه سياسات اقتصادية-اجتماعية مختلفة عن السابق، وضمناً ستضطر لتغيير اتجاهها الدولي، وفكرها الاقتصادي المعتمد، بعيداً عن الليبرالية الغربية.
رابعاً: ستتسرع عملية نشوء النظام الدولي الجديد، بما في ذلك عبر بوابة طرق التجارة البرية فائقة السرعة، كبديل اضطراري للهروب من البلطجة الأمريكية في البحار.
ضمناً، فإنّ عملية تغيير المنظومة الإقليمية القائمة، بما في ذلك الوضع في سورية عبر الحل السياسي وفقاً لـ2254، هي الأخرى ستخضع لعملية تسريع، كلما زاد التهديد الوجودي الذي يشكله الأمريكان ومنظومتهم على مجمل شعوب ودول العالم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1157