ماذا يعني تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة؟

ماذا يعني تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة؟

وجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في السادس من الجاري رسالةً إلى مجلس الأمن، يفعل من خلالها المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة حول الوضع في غزة، وحث غوتيريش في الرسالة أعضاء مجلس الأمن على الضغط لتفادي وقوع كارثة إنسانية، ودعا إلى إعلان وقف إطلاق النار الإنساني. وقال في الرسالة: «أكتبُ إليكم بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة لكي أسترعي انتباه مجلس الأمن إلى مسألة أرى أنها قد تفاقِم التهديدات القائمة التي تكتنف صون السلم والأمن الدوليين... لا مكان آمناً في غزة... إننا نواجه خطراً جسيماً يتمثل في انهيار المنظومة الإنسانية. فالحالة تشهد تدهوراً سريعاً إلى كارثة بما تنطوي عليه من تداعيات، ربما لا يكون ثمة سبيل إلى إزالتها وعكس مسارها على الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، وعلى السلام والأمن في المنطقة. ويجب تفادي هذه النتيجة بأي ثمن».

وأضاف غوتيريش في نهاية الرسالة: «تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية استخدام كل ما في جعبته من نفوذ لمنع المزيد من التصعيد ولوضع حد لهذه الأزمة. إنني أحثّ أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية. وأؤكد مجدداً مناشدتي للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية. فهذا أمر مُلحّ. ينبغي تجنيب السكان المدنيين المزيد من الأذى. فمع وقف إطلاق النار، يمكن استعادة وسائل البقاء، ويمكن إيصال المساعدات الإنسانية على نحو آمن، وفي الوقت المطلوب في جميع أنحاء غزة».
وعقد مجلس الأمن جلسةً في الثامن من الجاري استجابة لرسالة غوتيريش، وقدمت دولة الإمارات مشروع قرار طالب بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ووجوب أن تمتثل جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين، كما طالب مشروع القرار بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية. وفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع القرار، هذا بالرغم من تصويت 13 دولة عضو من أعضاء مجلس الأمن لصالح اعتماد القرار، بينما امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو».
وأثار تفعيل المادة 99 من قبل الأمين العام للأمم المتحدة غضب الكيان، حيث انهالت الاتهامات من قبل عدة جهات ومسؤولين «إسرائيليين» الموجهة إلى غوتيريش بما فيها عدم حياديته والمطالبة بإقالته واستقالته.

ما هي المادة 99؟

تندرج المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة تحت الفصل الخامس عشر «الأمانة العامة»، وتنص المادة على أن «للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد السلم والأمن الدولي». وتعطي هذه المادة التفويض الوحيد للأمين العام ليكون فاعلاً في مسألة الأمن والسلم الدوليين، فيما تركز بقية مواد الفصل الخامس عشر على وظائفه الإدارية.
الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، داغ همرشولد، نوّه إلى أهمية هذه المادة، حيث قال: إنها «أكثر من أي مادة أخرى، هي التي اعتبرها واضعو الميثاق أنها هي التي حولت الأمين العام من مسؤول إداري بحت إلى مسؤول ذي مسؤولية سياسية واضحة».

الحالات السابقة التي تم فيها تفعيل المادة 99

يشكل استخدام غوتيريش لهذه المادة المرة الأولى له، والرابعة تاريخياً، حيث تم استخدام هذه المادة من قبل الأمناء العامين السابقين فقط ثلاث مرات في تاريخ الأمم المتحدة.
كان الأمين العام الأسبق، همرشولد، أول من استخدمها في عام 1960 حول الحرب الأهلية في الكونغو، حيث أرسل رسالة في 13 تموز 1960 إلى مجلس الأمن طالبه فيها بعقد اجتماع طارئ حول الكونغو. في اليوم التالي، 14 تموز، اجتمع مجلس الأمن واعتمد القرار 143، والذي وفقه دعا بلجيكا إلى سحب قواتها من الكونغو، ونشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لتسهيل هذه العملية، وفوض الأمين العام باتخاذ الخطوات اللازمة لتزويد حكومة الكونغو بالمساعدة العسكرية.
المرة الثانية التي تم استخدام المادة 99 فيها كانت في 4 كانون الأول 1979، عندما قدم الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت جوزيف فالدهايم نداءً لمجلس الأمن، الذي استجاب من خلال اعتماد القرار رقم 457، والذي كان مرتبطاً بأزمة السفارة الأمريكية في طهران، والتي شملت احتجاز 52 مواطناً أمريكياً كرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، عقب الثورة الإسلامية في إيران. من خلال القرار، دعا مجلس الأمن إيران إلى الإفراج الفوري عن الرهائن، والسماح لهم بمغادرة البلاد. على الرغم من اعتماد هذا القرار، بقي الرهائن قيد الاحتجاز لمدة 444 يوماً ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد توقيع اتفاقية الجزائر في 19 كانون الثاني 1981.
المرة الثالثة التي تم فيها تفعيل المادة كان في عام 1989، حينما استخدمها الأمين العام آنذاك خافيير بيريز دي كوييار، للفت الانتباه إلى الاقتتال الذي كانت تشهده لبنان خلال الحرب الأهلية. حيث أرسل دي كوييار إلى مجلس الأمن رسالة في 15 آب 1989، دعا فيها إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن في ضوء التهديد الخطير الذي يهدد السلام والأمن الدوليين «من أجل المساهمة في حل سلمي للمشكلة اللبنانية». واجتمع مجلس الأمن في اليوم نفسه، وأعرب عن قلقه العميق إزاء استمرار تدهور الوضع في لبنان، وأصدر بيانا ناشد فيه جميع الأطراف الالتزام بوقف كامل وفوري لإطلاق النار، ودعم جهود اللجنة الثلاثية للرؤساء العرب.

وماذا يعني تفعيل المادة 99؟

نظرياً تصب المادة 99 في إعطاء الأمين العام للأمم المتحدة دوراً في وقف أي تهديد للأمن والسلم الدوليين. أما فعلياً، فإن تفعيل هذه المادة ليست له أي قدرة عملية لوقف أي حالة تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، حيث إن التنبيه، كما هي الحالة في الوضع الراهن، دفعت مجلس الأمن إلى عقد جلسة حول الموضوع، ولم يقم حتى باعتماد قرار حول الموضوع بسبب «الفيتو» الأمريكي.
رغم ذلك، فإن الاستعانة بهذه المادة وتفعيلها، وبالأخص فيما يتعلق بالعدوان الصهيوني على غزة له أبعاد سياسية مهمة، والتي من خلال بعضها يمكن فهم سبب غضب مسؤولي الكيان:

أولاً: فيما يتعلق بالأمين العام نفسه، فإن تفعيل هذه المادة هو بمثابة تبرئة لنفسه من المسؤولية الأخلاقية واللوم في حال نشوب أزمة تهدد الأمن والسلم الدوليين، وبالمقابل يضع المسؤولية في يد مجلس الأمن، والذي لديه عدد أكبر من الصلاحيات والأدوات وفق ميثاق الأمم المتحدة يمكنه استخدامها لوقف الحرب، والحد من الأزمات، ولذلك فإن الأمين العام يشعر أن هذه الأزمة في حال لم يأخذ موقفاً واضحاً منها ستكون نقطة سوداء في سجّله، وفي سجل مؤسسته بأكملها، لذلك من خلال تفعيل هذه المادة يمكنه أن يدعي أنه قام بكل ما يمكن أن يقوم به ضمن الصلاحيات التي يمنحه إياها ميثاق الأمم المتحدة.

ثانياً: إن استخدام هذه المادة يرقى إلى مستوى الإدلاء بموقف أو رأي حول الأزمة الجارية، وإن كان غامضاً بعض الشيء وغير مباشر، ولكن له مفعول تحميل مسؤولية ما يحصل في غزة لممارسات الكيان الصهيوني وعدوانه.

ثالثاً: إن تفعيل هذه المادة، يعني أن ما يحصل في غزة، أي ما تقوم به «إسرائيل»، يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.

بالمحصلة، فإنّ استخدام غوتيريش للمادة 99 من ميثاق الأمم، هو مؤشر إضافي على مدى أهمية وخطورة ومركزية الصراع الجاري في فلسطين المحتلة، واتساع تأثيراته على كامل المنظومة الدولية، المنظورة منها، وغير المنظورة بعد...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:03