المطلوب: نزع سلاح الكيان الصهيوني
عادت إلى التداول خلال الأيام الماضية، الفكرة التي سبق أن أطلقها نتنياهو عام 2009؛ فكرة «دولة فلسطينية منزوعة السلاح».
في تصريحه حول الفكرة في حينه، قال نتنياهو: إنه مستعد للمضي باتجاه خيار «إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح»، وطبعاً لم يتضمن تصريحه- كما هي العادة «الإسرائيلية» أي حديث عن حدود تلك الدولة، ناهيك عن حق العودة، وعن القدس، وعن المستوطنات.
وكانت هنالك أيضاً تصريحات متتالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في السياق نفسه؛ بينها تصريح له عام 2014 في لقاء أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وقال فيه: «الدولة الفلسطينية لن يكون لها جيشها الخاص، بل قوة شرطة فقط. ستكون منزوعة السلاح».
وبينها تصريح ثانٍ نقله عن لسانه «أكاديميون إسرائيليون» خلال اجتماعهم معه في عام 2018، أكد عباس، أنه يعتقد أن دولة فلسطين المستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح، وفق موقع «تايمز أوف إسرائيل».
وقال في حينه: «أنا أدعم دولة في حدود 1967 بدون جيش.. أريد قوات شرطة غير مسلحة مع هراوات، وليس مسدسات، بدلاً من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية»، حسب ما نقله الموقع عن إذاعة كان «الإسرائيلية».
المعنى العملي لطرح «دولة منزوعة السلاح»
إذا نظرنا إلى الواقع الراهن للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية، فإنّ سلاحه العسكري الوحيد هو سلاح فصائله المقاوِمة. وهذا السلاح متركزٌ في غزة بالدرجة الأولى والثانية والثالثة، وبشكلٍ هامشي جداً في الضفة، ومعدومٌ في القدس وفي الـ 48.
ونموذج الضفة الواقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وسلطة التنسيق الأمني، هي المثال الملموس على ما يمكن أن تكون عليه «دولة منزوعة السلاح»؛ فهي ليست ببساطة بلا أسنان ولا مخالب في مواجهة أي قوة خارجية، ناهيك عن قوة احتلال لا تكف عن التوسع وبناء مستوطناتها غير الشرعية، بل وأسوأ من ذلك، فهي بأسنان ومخالب وسجون في مواجهة كل من تسوّل له نفسه العمل ضد الاحتلال وضد إجرامه.
بهذا المعنى، فإنّ فكرة «دولة فلسطينية منزوعة السلاح»، ليست فكرة حول أفق مستقبلي لحل القضية الفلسطينية، بقدر ما هي فكرة تحمل معاني ملموسة وراهنة ومباشرة؛ فهي تعني نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية، وضمناً وبالدرجة الأولى حماس. وتعني بالتالي، محاولة تأمين مخرجٍ للكيان الصهيوني لتنفيذ المهمة التي وضعها على عاتقه في الإجهاز على حماس، والتي بات واضحاً لكل عاقل أنها مهمة مستحيلة التنفيذ.
أكثر من ذلك، فإنّ فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، هي إقرار ضمني بالسردية «الإسرائيلية» والغربية في «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» وفي أنها واقعة تحت التهديد، وفي أنها المعتدى عليه، وليست المعتدي والمحتل.
في الأمثلة التاريخية، كان مفهوماً تماماً أن يتم نزع سلاح ألمانيا النازية بعد ما قامت به من عدوان عالمي، ومع ذلك فإنّ اتفاقات السلام التي وقعت بعد الحرب، ورغم قسوتها المفهومة على ألمانيا، إلا أنها لم تمنعها من امتلاك جيش، ولكن حددت لها عديده وعتاده.
بكلامٍ آخر، فليس هنالك لا في القانون الدولي، ولا في التجربة التاريخية شيء اسمه دولة منزوعة السلاح. هنالك منطقة أو مناطق منزوعة السلاح، وغالباً ما تكون على الحدود بين دولتين متحاربتين. أما دولة منزوعة السلاح فهي اختراعٌ لا أساس له؛ فمفهوم الدولة بشكلها الحديث والقديم، لا يمكن أن يقوم دون وجود جيش، دون وجود قوة منظمة وظيفتها ردع الاعتداءات الخارجية. وعليه فإنّ وضع الكلمات الأربع «دولة فلسطينية منزوعة السلاح» مع بعضها، هو تناقض منطقي، المقصود منه هو فقط «منزوعة السلاح»، أما استخدام تعبير «دولة فلسطينية» في هذا السياق، فهو أقرب ما يكون إلى طعمٍ غرضه تحقيق الشق الثاني من الجملة... وإذا افترضنا أنّ الدفع نحو «دولة منزوعة السلاح» هو دفع باتجاه إبداع حلٍ غير مسبوق تاريخياً لقضية لها استثنائيتها في التاريخ المعاصر، فإنّ هذا الدفع يمكن أن يكون ذا معنى حين يقول بالدرجة الأولى بنزعٍ كامل لسلاح «إسرائيل»، حينها فقط يمكن الحديث عن «دولة فلسطينية منزوعة السلاح»، وعن ضمانات دولية وإقليمية.
إذا حاولنا توسيع دائرة النظر، فإنّ نزع سلاح «إسرائيل» ليس ضرورة أمن واستقرار محلي ضمن فلسطين التاريخية، بل هو ضرورة أمن واستقرار إقليمي وعالمي؛ فسلاح الكيان وضمناً النووي، كان طوال العقود الماضية سلاح بلطجة وتخريب في كل الإقليم، وكان تهديداً مستمراً أعاد تشكيل كامل المنطقة، بحيث بقيت احتياجات الأمن هي الأولى والثانية والثالثة على سلم الأولويات، ما أعاق التنمية بشكل هائل من جهة، وما أعاق تطوراً طبيعياً لمنظومات الحكم وممارسة الحكم في المنطقة، وفتح الباب نحو حالات مزمنة من التسلط السلطوي تحت عنوان، أنّ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
نزع سلاح الكيان أمر قابل للتحقيق
القارئ لطريقة العمل الأمريكية خاصة بما يتعلق بالصراع الجاري، لن يكون صعباً عليه أن يدرك أنّ الخسارة العسكرية والسياسية لـ«إسرائيل» في المعركة الجارية، هي انعطافٌ كبير ستمتد آثاره إلى كل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بل وفي العالم بأسره؛ ذلك أن العالم بأسره، وفي مخاض انتقاله من توازن دولي سابق إلى توازن دولي جديد، بات معلقاً على ميزانٍ دقيق، يجعل من أي خسارة جزئية في هذه الساحة أو تلك، انعطافاً حاداً في كفتي الميزان، فما بالك أن تكون الخسارة محققة في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وأهمية بالمعنى الجيوسياسي: الشرق الأوسط وفلسطين بالقلب منه؟!
ويمكن أيضاً، تأسيساً على هذا الفهم، أن نتوقع أنّ الأمريكي مصرٌ على عدم وقف إطلاق النار وعلى عدم الوصول إلى مرحلة دفع الأثمان السياسية. وفي الوقت نفسه، مصرٌ على البحث عن وسيلة للالتفاف على تلك الأثمان، ولعكسها إنْ استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ولعل أهم وسيلة يحاول الأمريكي استخدامها، هي الدفع نحو تفجير فوضى شاملة في المنطقة بأسرها، وخاصة في دول الطوق. ومع ذلك، ورغم الهشاشة النسبية لأوضاع هذه الدول، إلا أنّ الوصول بها إلى انفجارات كبرى هو أمر شديد التعقيد، وصعب التحقيق. في الوقت نفسه، ينبغي أن يكون واضحاً، أنّ دفع فكرة «دولة فلسطينية منزوعة السلاح» لا يعني فلسطين وحدها، بل إنّ من سيقبلون بها من العرب سيكونون قد وقفوا في طابور نزع سلاحهم هم أنفسهم بالتتالي.
عودٌ على بدء، فإنّ الظرف الدولي الراهن، بتوازناته الجديدة الدولية والإقليمية والمحلية، وبالتهتك غير المسبوق لبلطجي أمريكا في المنطقة، يجعل الفكرة الواقعية القابلة للتطبيق والصالحة كمدخل فعلي للحل، هي بالضبط فكرة نزع سلاح الكيان... وهذا ما ينبغي الدفع باتجاهه دولياً وإقليمياً... وعلى الخصوص عربياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1150