«تغيير السلوك».. في صحافة ومراكز أبحاث الغرب
ريم عيسى ريم عيسى

«تغيير السلوك».. في صحافة ومراكز أبحاث الغرب

في حين أنّ عدداً كبيراً من المعلقين السياسيين يصفون السياسة الأمريكية في سورية بأنها سياسة «غامضة إلى حد ما»، على الأقل استناداً إلى ما يجري التصريح به علناً، فإنّ الثابت الوحيد خلال السنوات القليلة الماضية، هو تكرار عبارة واحدة، وبشكل كبير مؤخراً: «تغيير سلوك النظام».

على الرغم من عدم قيام الإدارة الأمريكية الحالية ولا سابقتها بشرح ما تعنيه بـ«تغيير السلوك»، فقد يكون من المفيد النظر إلى ما تقوله وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، خاصة الغربية، حول هذه المسألة، وكذلك ما يرد في المصادر الرسمية الأمريكية..

جولة مع وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث

في تشرين الأول الماضي، أجرى معهد كارنيغي مقابلة مع جو معكرون، وهو باحث متخصص في المنطقة والسياسة الأمريكية، وضمن ما قاله: «ثمة حالياً عودة أمريكية إلى شعار تغيير سلوك الأسد، ما يشي بأن واشنطن تتوقّع ضغطاً روسياً على الأسد لتقديم تنازلات من أجل حلّ النزاع. برأيي، إن مستقبل الأسد يعتمد إلى حدّ كبير على هذه المبادرة الأمريكية الروسية للتوصل إلى اتفاق». ومن المثير للاهتمام أن معكرون ركز بشكل كبير على الانفتاح والعلاقات العلنية المتزايدة للأنظمة العربية مع النظام، مستشهداً بخط الغاز «العربي» كمثال. كما أشار إلى أنه «هناك تعب أمريكي واضح من الشرق الأوسط» وأن «المنظومة السياسية في واشنطن حريصة على تحويل مواردها بعيداً عن المنطقة لمواجهة الصين وروسيا».
في وقت سابق من شهر تشرين الأول، نشرت فورين بوليسي مقالاً بقلم «خبير» سوري آخر، هو شارلز ليستر، حول السياسة الأمريكية في سورية، والذي قال في بداية المقالة «إن العالم يقبل تدريجياً عودة الرئيس السوري بشار الأسد». ويشير لاحقاً إلى أن «إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تبنت أيضاً نهج عدم التدخل إلى حد كبير تجاه سورية»، و«على الرغم من أن إدارة بايدن نفسها قد لا ترحب بعودة الأسد بأذرع مفتوحة، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً بشكل واضح للآخرين للقيام بذلك».
واستشهد ليستر بإعلان الولايات المتحدة «طلب تغيير سلوك النظام السوري (خلافاً لتغيير النظام) كشرط لإعادة الانخراط الدبلوماسي أو إعادة البناء الاقتصادي». ثم يراجع الخطوات التي اتخذتها الأنظمة العربية، مثل: الإمارات والأردن، ويربط الأخيرة بزيارة العاهل الأردني الملك عبد الله إلى واشنطن في تموز الماضي، والذي قال (وفقاً لليستر): «إذا كنت تريد حقاً رؤية تغييرٍ سلوكي من نظام الأسد...، إذاً يجب علينا تحديد ما يعنيه ذلك، والبدء في عملية «خطوة- مقابل- خطوة» من الاختبارات وتدابير بناء الثقة مع النظام للتأكد من استعداده للعمل بشكل بناء».
يسرد ليستر أيضاً عدة خطوات من جانب الأنظمة العربية التي لم تعارضها الولايات المتحدة، مع التركيز بشكل كبير على خط الغاز «العربي»، وأشار إلى أن «استعداد واشنطن لمعارضة أو منع حلفائها الإقليميين [من تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو إنعاشها] يتضاءل بشكل واضح». ويخلص بعد ذلك إلى أن نهج إدارة بايدن تجاه سورية «لا يحبّذ ولكن لا يمنع، وفي بعض الأحيان، يسهّل التطبيع مع الأسد»، والذي يقول: إنه «يبدو أنه جزء من فلسفة أوسع لما أسميه «الاستقرار بالوكالة» في الشرق الأوسط (أي عبر تفويض حلفاء الولايات المتحدة بإدارة المنطقة)».
تناول مقال آخر- على موقع مركز الأبحاث «المجلس الأطلسي» في تشرين الأول- التحركات الأخيرة من قبل الأنظمة العربية، مع التركيز بشكل خاص على الدور الأردني. وأشار الكاتب إلى أنه «من الواضح أن ديناميكية إقليمية جديدة- انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط- تدفع الأردن ودولاً أخرى في المنطقة إلى أن تكون أكثر براغماتية في تأمين المصالح وتعزيز الاستقرار الإقليمي».
تقول مقالة في نيوزويك الشيء نفسه عملياً، مستخدمة الكثير من الأمثلة نفسها بالإضافة إلى الحديث عن استقرار المنطقة، مع «عدم ثني الولايات المتحدة الشركاء العرب» عن اتخاذ خطوات «لتطبيع العلاقات مع الأسد». وهذا يشمل، وفقاً لديفيد شينكر، الذي عمل كمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى أوائل هذا العام، عدم تطبيق «عقوبات قانون قيصر، التي إذا تم تطبيقها، قد تمنع الدول العربية من استئناف العلاقات «الطبيعية»، بما في ذلك التجارة مع سورية».

الاستنتاجات الأولية...

ما ورد أعلاه مجرد أمثلة قليلة لما قالته بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث حول «تغيير السلوك»، والذي لا يكاد يكشف شيئاً من حقيقة الأمر. في الواقع، يبدو أن هذه الوسائل والمراكز جميعها تقريباً متفقة على أن هناك بعض الإجراءات التي تقوم بها الأنظمة العربية اتجاه النظام، دون مقاومة من الولايات المتحدة، على الرغم من امتلاكها للأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للقيام بذلك. ويبدو أيضاً أنهم لا يرون أي شيء من قبل النظام في المقابل، أي عدم وجود «تنازلات» أو أي شيء يمكن اعتباره «ثمناً» للحصول على كل ذلك، ناهيك عن تغيير السلوك الفعلي. لاحظ البعض أنه في حين تحدثت كل من إدارتي بايدن وترامب عن تغيير السلوك، وجعلته المطلب الرسمي في سياستها اتجاه سورية والنظام، ولكن لم تقدم أي منهما حتى أدنى إشارة لما يستتبعه ذلك.
تحدث البعض عن فهم تغيير السلوك على أنه يشمل خطوات، مثل: الإفراج عن المعتقلين، وخلق الظروف المناسبة للعودة الآمنة، واتخاذ خطوات للوفاء بالالتزامات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، من بين أمور أخرى.
بالنظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، ربما لا يكون «تغيير السلوك» شيئاً تتطلع الولايات المتحدة (أو الغرب عموماً) للحصول عليه من النظام نفسه فقط. أي أن الثمن الذي تحصل عليه الولايات المتحدة مقابل «السماح» للأنظمة العربية بـ «التطبيع» مع النظام، وعدم تطبيق قانون قيصر على أشياء معينة، مثل: خط الغاز «العربي»، قد يكون شيئاً لا تحصل عليه الولايات المتحدة من النظام وحده، بل وأيضاً من الأنظمة العربية، وأهم وجهه «الاستقرار الإقليمي»، من وجهة نظر أمريكية بالطبع.
بالنظر إلى الخطوات التي ينظر إليها البعض على أنها مؤشرات محتملة لتغيير السلوك، فإنها تتوافق مع الشروط المذكورة في قانون قيصر تحت القسم المتعلق بـ «تعليق العقوبات». بينما نتفق أن قانون قيصر قد يكون المكان المناسب للبحث عمّا يشكل تغييراً في السلوك، لكننا نعتقد أن القسم الصحيح هو في الواقع «نص السياسة العامة»، لا سيما الجزء المتعلق بـ «التعايش السلمي مع جيرانها».
بعبارة أخرى، هذا جزء من «الاستقرار» الإقليمي الذي تأمل الولايات المتحدة في تحقيقه باستخدام جميع الأدوات التي تمتلكها، وأصبح من الواضح أيضاً: أن قانون قيصر لم يكن مقصوداً استخدامه ضد سورية فقط، ولكن كأداة مساومة لجعل الآخرين في المنطقة يحصلون على شيء ما (مثلاً: عدم الخضوع لعقوبات حسب قانون قيصر) مقابل «التعايش السلمي» مع «جيران» معينين، أي مع الكيان الصهيوني بالذات.

ملاحظة جانبية لكن ذات صلة...

عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة و«تغيير السلوك» في سورية، بينما يتم استخدام العبارة علناً فيما يتعلق بالنظام، فهو ليس الطرف الوحيد الذي تستخدم الولايات المتحدة هذه السياسة معه. كما لوحظ أعلاه، من الواضح أنه بالنسبة للولايات المتحدة، لا علاقة لتغيير السلوك بكيفية تعامل السلطة مع الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرتها، ولكن فقط بما يخدم السياسة الأمريكية. يمكننا إجراء مقارنة مع الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع النصرة والجولاني، والتصريح السيئ السمعة الصادر عن جيفري في 30 كانون الثاني 2020: «الولايات المتحدة تقرُّ بوجود إرهابيين في إدلب، وهناك مجموعة كبيرة من النصرة وهيئة تحرير الشام وهي متفرعة من القاعدة، وتعتبر منظمة إرهابية، وهم يدّعون أنهم مقاتلون وطنيون معارضون وليسوا إرهابيين، ونحن لم نقبل هذا الادعاء بعد، ولكن لم نر أنهم شكلوا تهديداً دولياً منذ فترة». وهكذا، في حالة النصرة أيضاً، كل ما هو مطلوب هو «تغيير السلوك»، والذي في أحد جوانبه هو ألّا تكون النصرة «تهديداً دولياً»، أي ألّا تكون تهديداً لمصالح الولايات المتحدة بالذات، وذلك بغض النظر عما تفعله على الأرض.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1046
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 13:14