تحالف الشرق... كابوس يؤرق الحسابات الأمريكية
سعد خطار سعد خطار

تحالف الشرق... كابوس يؤرق الحسابات الأمريكية

ظلت النظرة الأمريكية إلى روسيا والصين باعتبارهما منافستين إستراتيجيتين للولايات المتحدة تتطور بين المحللين الأمريكيين لسنوات عدّة، لتظهر مؤخراً دلائل ومؤشرات متكررة على أن مراكز الأبحاث والمجموعات التحليلية الأمريكية القريبة من مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة تعاود محاولة صياغة إستراتيجية موحّدة حول الشرق.

في تموز العام 2020، تمّ إنشاء «المجموعة الإستراتيجية الصينية» في الولايات المتحدة، والتي تضمّ مزيجاً من الخبراء والسياسيين الذين تجمعهم الفكرة الأمريكية الشائعة حول ضرورة الحدّ من القوة المتنامية في الشرق. وأنشئت المجموعة بمبادرة من إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «غوغل» ورئيس «المجلس الاستشاري للابتكار الدفاعي» في وزارة الدفاع الأمريكية. وقد نشرت المجموعة تقريرها الأبرز بعنوان «المنافسة غير المتماثلة: إستراتيجية للصين. رؤىً قابلة للتنفيذ للقيادة الأمريكية».

الاعتراف بالضعف

يركز التقرير على التكنولوجيا والابتكار، وفي إطار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، قدم 13 مؤلِفاً توصياتهم من أجل «إستراتيجية أمريكية ناجحة»، ومن اللافت أن التقرير يقترح «صيغة جديدة» للعلاقات متعددة الأطراف، تتطلب إنشاء منتدى «T12» الذي يتكون من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى وكندا وهولندا وكوريا الجنوبية وفنلندا والسويد والهند وأستراليا. وتعيد الفقرة الأولى من المقدمة إلى الأذهان خطة باروخ، عندما قدمت الولايات المتحدة اقتراحها إلى الأمم المتحدة في عام 1946 بأن تكون الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية والتكنولوجيا ذات الصلة: «إن القيادة التكنولوجية الأمريكية أساسية لأمنها وازدهارها وطريقة حياتها الديمقراطية. ولكن هذه الميزة الحيوية أصبحت الآن في خطر، مع صعود الصين نحو تجاوز الولايات المتحدة في عددٍ من المجالات الحرجة. وإذا تُرك الموقف الأمريكي دون مراقبة، فسوف يتآكل أكثر بمقابل حشد بكين للسيطرة والنفوذ على حقوق الناس ورفاههم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، وهذا التحدي يتطلب حلولاً سياسية عاجلة لتجديد القدرة التنافسية الأمريكية، والحفاظ على المزايا التكنولوجية الأمريكية الحاسمة».

وجاء في استنتاج التقرير: «بدأ التعامل الأمني الأمريكي حول الصين والتكنولوجيا يدور حول مجموعة صغيرة من الموضوعات: تهديد «تطبيق فيديو TikTok» خاص مملوك للصينيين، أو المعركة على الجيل الخامس 5G، والمخاطر المحتملة للهجرة عالية المهارات من الصين إلى أمريكا. ولكن العديد من الأسئلة الأكثر أهمية حول الإستراتيجية الأمريكية تجاه الصين بشأن التكنولوجيا استمرت دون إجابة: كيف نعرف ما إذا كانت المنصات الرقمية تستحق اهتمامنا وتركيزنا؟ ما الذي سيتطلّبه بناء سلسلة توريد أكثر مرونة؟ كيف يمكننا الفوز في الواقع في حروب هجرة الأدمغة؟».

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، حاول واضعو التقرير أن يقدموا مسار عمل واضح لوضع سياسات وإستراتيجيات صحيحة. وبدلاً من إقناع أنفسهم بالتفوق التكنولوجي الأمريكي، فإن تقييماتهم نمّت عن اعتراف واضح بعدم التكافؤ وضعف موقف الولايات المتحدة. وهو ما لم نكن نسمعه صراحة في السابق، حيث كان الخبراء والمحللون الأمريكيون حريصون على عدم إعطاء مثل هذه الإشارات علناً، والاكتفاء بدلاً عن ذلك بالإشارة إلى حالة الصعود الروسي الصيني بوصفه «تهديداً للقدرات الاستثنائية الأمريكية».

الاستفراد غير ممكن

النقطة المفصلية في التقرير، هي أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الكيفية التي تتطور بها العلاقات بين روسيا والصين. حيث قدم اثنان من ضباط الاستخبارات، أندريا كيندال تايلور وديفيد شولمان، تقييماً مفصلاً للتفاعلات بين البلدين في سياق السياسة العالمية والمصالح الأمريكية، وأشارا إلى أن «تعاون الصين وروسيا يُعجّل بجهودهما الرامية إلى تآكل المزايا العسكرية الأمريكية- وهي ديناميكية تثير إشكالية خاصة بالنسبة للمنافسة الإستراتيجية الأمريكية مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. حيث إن روسيا توفّر بالفعل أنظمة أسلحة متقدمة تعزز قدرات الصين في مجال الدفاع الجوي والقدرات المضادة للسفن والغواصات، وتُجهِّز الحزب الشيوعي الصيني بشكل أفضل لإبقاء الولايات المتحدة خارج المنطقة، كما تعمل الدولتان على زيادة تعاونهما التكنولوجي، الأمر الذي يسمح لهما في نهاية المطاف بابتكار ثنائي أسرع مما تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله، مما يجهد ميزانية الدفاع الأمريكية التي تعاني أصلاً من الإجهاد. وفي نهاية المطاف، فإن استمرارـ وهو الأمر الأكثر إشكاليةـ تعميق التعاون الصيني الروسي من شأنه أن يعرض للخطر قدرة أمريكا على ردع العدوان الصيني في المنطقة والتمسك بالتزامها بالحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة».

وكما يؤكد التقرير، فإن روسيا والصين متحدتان في جهودهما لإضعاف التماسك بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، وإضعاف النفوذ الأمريكي مع الدول والمؤسسات الدولية. وفضلاً عن ذلك، تتعاون موسكو وبكين بالفعل لتجنب العقوبات الأمريكية وضوابط التصدير مما يخفف من آثار الضغوط الاقتصادية الأمريكية. وإذا تعمّقت شراكتهما، أو حتى إذا كانت كل دولة على حدة تبني القدرة على الصمود في وجه الضغوط الاقتصادية الأمريكية، فإن ذلك يُقلل من فعالية الأدوات المالية القسرية الأمريكية، وخاصة العقوبات وضوابط التصدير، والتي تشكل الجزء الفاعل في ترسانة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي نهاية التقرير، يوصي المؤلفون بأن «تراقب الولايات المتحدة وتخطط ضد التعاون الصيني الروسي، وأن تخلق رياحاً معاكسة، وأن تنسحب عند الإمكان من خطوط التماس في العلاقات الروسية الصينية»، وهو ما يعني اعترافاً أمريكياً فعلياً بعدم القدرة على اعتماد المزايا التنافسية في التخطيط ضد التعاون الروسي الصيني، وهو ما يقف على طرفٍ نقيض من التحليلات السابقة لبعض المشاركين في إعداد التقرير حول احتمال الاستفراد بواحدة من الدولتين عن طريق استمالة الأخرى وتطوير العلاقات معها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 12:58